ثقافة اللوم لن تجدي في منع الأزمات المستقبلية.. بقلم ميور ديكي

الاقتصاد الآن

934 مشاهدات 0


كيوشي كوركاوا، رئيس لجنة التحقيقات في كارثة انفجار مفاعل فوكوشيما دايشي النووي، يرى أن الأسباب الجوهرية للكارثة تكمن في قصور الثقافة اليابانية. فهل أصاب في ذلك؟

الإجابة عن هذا السؤال تكتسي أهمية عالمية. فالمفاعل الذي انصهر في فوكوشيما في آذار (مارس) الماضي كان أسوأ كارثة ذرية على مدى ربع قرن. وفهم لماذا كان دايشي عرضة للخطر يمكن أن يكون أمرا حيويا للوقاية من مثل هذه الحوادث في المفاعلات النووية في كل مكان في العالم مستقبلا.

كوروكوا، وهو طبيب ورئيس سابق للمجلس العلمي الياباني، لا تعوزه الأسباب التي تؤكد زعمه بأن هذه الكارثة كانت ممهورة بعبارة 'صنع في اليابان'.

وانتقد التقرير النهائي للجنة التحقيق المكلفة من قبل البرلمان، التي قادها كوروكوا، الجهات المسؤولة عن تنظيم عمل المفاعلات والصناعة لاشتراكهما معاً في وضع معايير سلامة ضعيفة، ولتجاهلهما تحذيرات من مخاطر الزلازل والسونامي. ومثل هذه الخلاصة الحذرة تشير إلى الجانب المختل في عالم المؤسسات اليابانية الشهير بتعاونه ـ عالي الإنتاجية في بعض الأحيان ـ وتحالف الشركات الكبيرة والبيروقراطية.

وقد يتفق كثير من القراء اليابانيين مع التوجه الإعلامي الذي يلقي باللائمة على 'النفور من تحدي السلطة'، وهو الأمر الذي يراه كوروكوا واحدا من 'التقاليد الراسخة في الثقافة اليابانية' ويعتبره سببا لهذه الكارثة.

وأشار إلى أن من السهل تحديد أعراض السقوط الثقافي الأخرى، بما في ذلك 'الطاعة العمياء'، 'العصبية'، و'العزلة' التي أدت إلى انخفاض فاعلية التخطيط للأزمات، وبالتالي إلى فشل المنظمين والتنفيذيين في هيئة طوكيو للطاقة الكهربية في الاستجابة بفاعلية للأزمة وقت حدوثها. وقد سعى القادة إلى تعيين شخصية مستقلة مثل كوروكوا لقيادة هذه اللجنة. وكان أقسى انتقاد وجهه كوروكوا إلى أبناء أمته هو ما تم نشره في النسخة الإنجليزية فقط، أما النسخة اليابانية من مقدمته فقد خضغت للضبط والتعديل، ملقية اللوم على العقلية التي أوجدت مثل هذه الظواهر، مثل أنظمة الأسبقية والوظيفة الدائمة مدى الحياة.

واستنكر كوروكوا النقد الموجه لهذه الازدواجية، قائلاً كان من المنطقي أن تتم صياغة الرسالة التي حملها التقرير لمختلف المتلقين، مبينا أن لديه اعتقادا بأن الضغط الخارجي يمكنه أن يدعم التغيير في اليابان.

وفي حديث إلى المراسلين الأجانب في نادي اليابان، أشار كوروكوا إلى تضاؤل غريب في مشاعر الغضب لدى الشعب الياباني والإعلام حول انعدام المسؤولية الحكومية هذا، الذي يعكس الفشل في تحديد سبل مواجهة الأزمات.

ولا تزال هناك العديد من المخاطر الحقيقية التي تشرح علاقة كارثة فوكوشيما دايشي بالمكونات الثقافية، التي لا تقتصر على وصف، أو تعريف الثقافة الوطنية بأنها مهمة صعبة.

والثقافة اليابانية لم تمنع الكثير من اليابانيين من الاعتراض على الطاقة النووية. فلا الشركات اليابانية ولا التشريعات الموروثة عاجزة عن إدارة أنظمة تكنولوجية معقدة، فالقطارات السريعة تعمل منذ عام 1964 دون أي تصادم مميت. إن التركيز البالغ على الثقافة قد يحيل المسؤولية بعيدا عن المؤسسات والأفراد الذين اتخذوا القرارات التي أدت إلى هذه الكارثة. وعلى المراقبين الأجانب أن ينتبهوا جيداً إلى عبارة 'صنع في اليابان'. فالعديد من المشكلات التي حددتها لجنة كوروكوا شائعة حول العالم، وهي سائدة بصورة خاصة في العالم الثالث حيث يوجد العدد الأكبر من 61 مفاعلا ذريا قيد الإنشاء. ففي الصين التي يتفشى فيها الفساد ويخضع فيها الإعلام لسلطة الحزب الشيوعي، توجد خطط لإنشاء عشرات المفاعلات.

وبالنسبة لصناع القرار في بكين، أو نيودلهي، أو أي مكان آخر، الدرس الأكثر خطورة المستخلص من فوكوشيما دايشي هو أن ما جرى لا يمكن حدوثه إلا في اليابان. وهذا بكل أسف هو ما استخلصه صناع القرار والمهندسون في اليابان عقب كارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986. كان من الأسهل عليهم في حالة تشيرنوبل إلقاء اللوم على التقصير السوفياتي في التصميم والتشغيل، بدلاً من أن يطرحوا أسئلة حول سلامة المنشآت اليابانيةـ وعلى الدول الأخرى ألا تكرر هذا الخطأ.

 

 

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك