وسط مشاركة فرنسية- بريطانية فاعلة

محليات وبرلمان

الطراح بمؤتمر 'الربيع العربي': غدا، من يحكم العالم العربي ؟

2008 مشاهدات 0

علي الطراح

شارك الدكتور علي الطراح استاذ علم الإجتماع والمندوب الدائم لدولة الكويت لدى اليونسكو في مؤتمر قبل يومين عقد في جامعة العلوم السياسية  ساينس بو  في باريس، وذلك بحضور عدد المهتمين والمفكرين من العالم العربي وفرنسان وبريطانيا.

وقبل إلقاء كلمته بالمؤتمر، عقد لقاء يناقش الأوضاع العربية، وكان الحوار حول عمق التحولات في المنطقة العربية  واللقاء كان  ضمن نشاط برنامج الكويت مع جامعة ساينس بو للعلوم السياسية.

وتحدث وزير الخارجية الفرنسية بالمؤتمر لأول مرة منذ توليه الوزارة حول علاقات فرنسا بالعالم العربي، واكد على متابعته الحثيثة لما يحدث في المنطقة العربية، وقال انه شرق اوسط جديد، فهناك الرئيس الجديد في مصر محمد مرسي، وهو مؤشر مهم في فهم فرنسا للمنطقة العربية.

واكد وزير الخارجية الفرنسي على ان حركة الشباب  قوية،  وتعمل فرنسا على دعمها، وأكد أيضا بان الديمقراطية لا تحدث بين ليلة وضحاها وانها في حاجة الى فهم  ومشاركة القوى المدنية، مشيرا إلى ان هناك تحديات كبيرة تنتظر المنطقة العربية وهي مازالت  في الطريق  تتعلق بقضايا حقوق الانسان والمرأة تحديدا وكان واضحا جدا حيال موضوع المرأة، وحدد موقف واضح حيال دعم الحركات الاجتماعية  في المنطقة العربية وانه لم يعد هناك  متسع ومساحة لديكتاتوريات.

وفي ما يتعلق بالدكتور الطراح، فقد ألقى كلمة الكويت بالمؤتمر، جاء فيها:

الحديث عما بات يعرف الربيع العربي وتداعياته حديث يستوقفنا كباحثين ومفكرين وسياسيين عن أسبابه والظروف المحلية والإقليمية والدولية التي أحاطت به والنتائج التي يمكن أن تؤول إليها هذه الأحداث .كما جسدتها حاليا التجربة التونسية والمصرية.

    الحقيقة ومن وجهة نظري كباحث سوسيولوجي يفترض بي أن أعالج هذا الموضوع انطلاقا من هذه الحقيقة وهنا يمكن طرح التساؤلات التالية:

    هل سنعالج ونحلل هذه الأحداث وفق نظريات التغير الاجتماعي المعروفة لدينا في علم الاجتماع أم نحلل ذلك وفق مفهوم الثورة إذا نظرنا إلى الذي حدث بأنه ثورة ؟ او هو حركة اجتماعية وفق مفهوم عالم الاجتماع الان توران ؟ ام هو حراك سياسي ؟ أم أننا نشهد انفجار للعالم العربي وليس المشرق العربي فقط كما كتب في السنوات الأخيرة المفكر اللبناني جورج قرم . أم أن نبوءة المفكر الراحل وعالم الاجتماع المصري انور عبد المالك عندما كتب عن ريح الشرق في الثمانينات من القرن الماضي تتحقق حاليا؟

    وهل القوى الاجتماعية التي قامت بالثورة كانت منظمة وواضحة المعالم والأهداف ؟أم أنها كانت عفوية ؟ وهل الذين قاموا بها كانوا من طبقة معينة الطبقة الوسطى او الطبقة المثقفة ، ام المهمشون وهنا كذلك نتذكر مقولة عالم الاجتماع هربرت ماركيوز عندما يئس من الطبقة العاملة وبعدها الطلبة  بقوله 'ربما يأتينا الأمل من الذين لا امل لهم ومات ماركيوز ولم تتحقق في وقته هذه الأمنية.

    الحقيقة كلها تساؤلات ليس من السهل الإجابة عليها بشكل قطعي .فهناك عوامل عديدة تتداخل  حتى يمكن أن نقدم تفسيرات منطقية وموضوعية لذلك . ولكن يجب أن نقر في البداية أن ما بات يعرف بالربيع العربي كان مفاجئا للجميع وحتى المختصين لم يتصوروا أن تتطور الأمور بهذا الشكل .فالأنظمة العربية التي هي أنظمة ديكتاتورية وعسكرية حكمت لعقود عديدة بالقوة ولم يكن يتصور أن تنسحب بهذه السهولة. (بن علي،مبارك، علي عبد الله صالح) ربما الاستثناء الوحيد هو معمر القذافي الذي رفض التنحي وكانت نهايته التي يعرفها الجميع.

    هل يمكن القول أن الدولة الوطنية التي حكمت وسيرت الاقتصاد والمجتمع انتهت، وهل سنشهد بناء دولة المواطنة مقابل الدولة –الأمة التي وصلت إلى نهايتها المحتومة.

    إننا من دون شك نشهد حراكا سياسيا سيؤدي لا محالة إلى بروز قوى اجتماعية واختفاء قوى أخرى مثل ما حدث أثناء الثورة الفرنسية. ومن دون شك سنشهد تحالفات جديدة أساسها البراغماتية السياسية وسنشهد أيضا الغيرية السياسية إي قبول الأخر وربما هذا ما تجسده الحالة المصرية فلم يكن من المفكر فيه أن يقبل العسكري أن يكون الإسلامي على هرم السلطة السياسية بل أن المشير طنطاوي العسكري يهنئ محمد مرسي الإسلامي .فتاريخ العلاقة بين العسكر والإسلاميين معروف والحالة الجزائرية والتونسية وحتى المصرية معروفة للجميع.

 ربما تكون الظروف الجديدة الدولية والإقليمية مسئولة عن هذه الأوضاع .فالعولمة وما أتاحته من انفتاح الفضاء بحيث جعلت العالم بحق قرية كونية وتطور وسائل الإعلام بشكل مذهل وكلنا يعرف ما فعله الفيس بوك في إنجاح هذا الحراك السياسي والأزمة الاقتصادية التي هزت وتهز أوربا حاليا جعلت هذه الأخيرة غير قادرة وعاجزة عن دعم الديمقراطيات الناشئة بل وقفت في البداية ضدها (حالة فرنسا مع تونس ).ولكنها في الأخير شجعتها وتعاملت معها بايجابية والتهنئة التي بعث بها باراك اوباما للرئيس المصري المنتخب محمد مرسي وكذلك دول الاتحاد الأوروبي دليل على تعامل هذه القوى مع الواقع الجديد .

العامل الخارجي والدولي لم يكن بعيدا عن الأحداث في العالم العربي وربما هذا التحدي الأبرز الذي سيواجه الإسلاميين في كل من تونس ومصر وحتى المغرب  فهناك مصالح تاريخية تربط هذه الدول بأوربا وأمريكا مصالح ثقافية واقتصادية وسياسية ولغوية ومعاهدات دولية (معاهدة السلام مع إسرائيل مثلا في الحالة المصرية)رغم أن الرئيس المصري الجديد بعث برسائل اطمئنان بهذا الشأن..

هذا ما يجعل الإسلاميين أمام تحد حقيقي فهم من جهة بجب أن ينجحوا داخليا اقتصاديا بالخصوص وسياسيا ويزيلوا الهواجس والمخاوف وان يتحولوا فعلا إلى حزب مدني مثل بقية الأحزاب الاخري ويبتعدوا عن الإيديولوجية الراديكالية وبناء الدولة الإسلامية.وان يقبلوا الأخر لمشاركتهم في الحكم واحترام الأقليات والتعددية وغيرها .ويجب أن ينجحوا خارجيا ودبلوماسيا فالغرب من دون شك سيراقب عن كثب هذه التجربة وكما يقول المثل الروسي ' ثق في الشخص ولكن راقبه'

إن نجاح الإسلاميين في الحكم مرهون بما يقدمونه من أفعال مجسدة لما وعدوا به قبل توليهم الحكم ويبدو من خلال ماصرحوا به ومن خلال التجارب السابقة أنهم سيقبلون التعايش مع بقية القوى السياسية الأخرى بمختلف أطيافها  والتاريخ القريب سيحكم على ذلك هذا إذا كانت نيتهم صادقة في خدمة المواطن والوطن الذي هو للجميع وليس لهم وحدهم .

الحقيقة هناك حالتين في هذا الشأن .الأولى أن ينجح الإسلاميون في تجربتهم في الحكم هذا وان يتكيفوا مع الأوضاع السياسية الجديدة وان لا ينفردوا بالحكم وحدهم .

الحالة الثانية وهو الفشل في تحقيق ما وعدوا به وفي هذه الحالة فان المستقبل مفتوح على كل الاحتمالات وربما نرجع إلى المربع الأول وهذا ما لايقبله من قاموا بالثورة وروح البوعزيزي.

أيا كان الأمر فان العالم العربي يعيش أوضاعا جديدة وتجارب ربما لم يسبق له أن عاشها . أوضاعا يتداخل فيها السياسي مع الاقتصادي مع الاجتماعي ويتقاطع فيها الداخلي مع الخارجي .وحراكا سياسيا مفتوح عل كل الاحتمالات .لهذا مطلوب منا بكل موضوعية ان نفهم ما حدث وما سيحدث حتى يمكنا جميعا أن نقدم تصورات حقيقية وواقعية عن هذه الأوضاع .فاختلاف التجارب من الكويت إلى البحرين في الخليج ومن مصر في المشرق العربي إلى تونس والمغرب رغم بعض الاختلافات لخصوصية كل حالة إلى أن كل الحالات في عمومها متشابه اذ يتعلق الامر بدول عربية وبفئات وقوى اجتماعية متشابهة في التفكير والتصور .هذا ما يدعونا كمفكرين عرب وغير عرب أن نولي اهتماما لكل هذه الأحداث والتجارب  بنفس القدر من الأهمية  فاروبا على الضفة الأخرى من النهر من دون شك ستتأثر بل أنها تأثرت فعلا بهذا الحراك السياسي العربي .

لقد كتب الباحث الاقتصادي الفرنسي جاك اتالي كتابا قيما عنونه 'غدا من يحكم العالم'

يمكنا ان تقتبس هذا العنوان ونسقطه على الحالة العربية ونقول 'غدا من يحكم العالم العربي'؟

هل هم الاسلاميون ، ام شباب الثورة ، ام قوى اخرى ربما تكون في طور التشكل ؟ .

يجب علينا ان تفكر في هذا الأمر جيدا لان على ضوءه يتوقف مستقبلناومستقبل الاجيال القادمة.

الآن - محرر المحليات

تعليقات

اكتب تعليقك