صراع إيراني- خليجي في سوريا
عربي و دولييونيو 23, 2012, 12:38 ص 5318 مشاهدات 0
قال: بينما كنا نعالج والدي المصاب،اقتحم الشبيحة المنزل، وكانوا يصرخون عليه في استجواب شرس: من الخيالة البيض الذين كانوا يقاتلون معكم؟! اعترف أين هم؟ يقول الراوي: والله ما كان معهم رجال ولا خيول بيض، إلا أن تكون ملائكة من السماء.
بعد هذه القصة/ الجرعة العاطفية للشيخ محمد العريفي، ودعوات أخرى للجهاد تدفق العشرات من الخليجيين على سوريا، لكن الجيش السوري الحر، الذي أظهر قدرات وكفاءة على المواجهة وتنفيذ عمليات نوعية، أعلن في 13 يونيو الجاري تنفيذ «انسحاب تكتيكي» من مدينة الحفة في ريف حماة لحماية سكان المنطقة من المجازر الانتقامية. ويتم الانسحاب عادة نتيجة هزيمة تعبوية، أو لتجنب معركة غير مناسبة، أو لجر العدو لمواقع لا تناسبه.
ورغم إدراكنا أنه لا بأس في ما قام به الجيش الحر، فالهجوم والانسحاب العجول من تكتيكات حرب الثوار كما فعل سابقا في بابا عمرو. إلا ان السؤال الملح هو ما الذي تغير في الثوار وما الذي تغير في الجيش السوري؟ ولماذا فك الثوار التماس رغم توافد المتطوعون عليهم من كل حدب؟
عسكريا، لا تخضع تسمية الصراعات والحروب الى أي قاعدة. وتمتد هذه الايام للكنافة الشامية الملتهبة أصابع عدة: فروسيا والصين تسابقان الغرب، ومن لبنان تمتد أكثر من يد، وايضا من العراق وتركيا وحتى ليبيا. لكن أوضح الأذرع الممتدة هناك هي الإيرانية والخليجية. ولو بحثنا عن تسمية لمجريات الأمور في سوريا راهنا، لما وجدنا ما هو أكثر دقة من وصف «الصراع الإيراني- الخليجي». ألم نشجع على الثورة فيما تشجع إيران على القمع، سواء بالمشاركة العاطفية الدينية أو بالدعم المالي والسياسي أو بتدفق المقاتلين؟
من المعروف في علم الصراع المسلح أن القوات غير النظامية هي التي تفرض شروط لعبة الحرب، لامتلاكها هامش حرية الحركة والمبادرة، ورجالها هم الأقدر على تطبيق التكتيكات، مستفيدين من عدم مرونة قادة الجيش النظامي المقيدين بتسلسل القيادة وقواعد الاشتباك. ففي بداية الثورة السورية، نجح الثوار في فرض وجودهم على الأرض عبر ما يزيد على 250 كتيبة و17 لواء. وقد أفقدوا القوات النظامية اتزانها، ففر الجنود وأعدم المترددون في القتال. كل ذلك شكل في ذهن صناع القرار العسكري السوري النظامي ضرورة انزال قوات صفوة مدربة على القيام بنفس المهارات القتالية التي يتمتع بها الثوار، من حرب المدن الى التغلغل داخل التجمعات المدنية للاحتماء بها، أو تحييدها كما جرى في الحولة.
لقد انحسرت نجاحات الجيش الحر وكثرت انسحاباته مؤخرا لأنه لم يعد قادرا على استغلال ثغرات الجيش النظامي، لأنه ببساطة لم يعد يواجهه. ففي العقيدة القتالية الجديدة للجيش السوري، والتي طورها ميدانيا بناء على توصيات عسكرية روسية مكتسبة من حرب الشيشان، صار سلاح المدفعية وسبطانات دبابات الجيش هي الجزء الوحيد المستخدم ضد الثوار. أما من ينفذ النسق الثاني من القتال فهم مجاميع قوات صفوة تضاهي الثوار في المرونة وتتفوق عليهم في جودة التدريب والتسلح. وقوات النخبة هم أكفاء ومن أشجع وأذكى الرجال، ويتم تدريبهم بقسوة على مهارات المشاة وليصبح المنتج النهائي رجل قوات خاصة، قناصا، ومظليا، وغواصا، ومقاتل شوارع، بأسلحة خاصة ووسائل اتصال ومناظير لا يملكها سواهم.
تتكون فرق الموت النخبوية التي قلبت موازين الحرب في سوريا من الجماعات التالية:
1 ـ قوات الحرس الثوري الإيراني (الباسدران): هي الجيش العقائدي لإيران وقوات النخبة ويعرف عنهم حماسهم الديني وولاؤهم المطلق، ويتمركز نحو 4 آلاف منهم في لبنان. ولأن طهران كانت مستعدة لمثل ما يجري في سوريا اليوم، فقد أعدت قواتها للتدخل لمصلحة دمشق عبر قوتين: «الباسيج» التي لديها «لواء عاشوراء» متخصص بالتعامل مع الاضطرابات المدنية، يرتدون ملابس مدنية، ويجوبون على دراجات نارية، و«فيلق القدس»، وهو الجناح العسكري للعمليات الخارجية
2 ـ قوات النخبة في حزب الله، أقوى قوة عسكرية غير نظامية، كما يصفهم الغرب والصهاينة، وتشمل 6 آلاف عنصر. وهم من أكثر الجند انضباطاً في تنفيذ المهام. ومهرة في استخدام السلاح والحركة، يظهرون ويختفون، يرمون ويغيرون مواقعهم، ويصنفون بالرماة الأفضل في صيد الدبابات، وهذا ما شهدت عليه حرب يوليو 2006.
3 ـ فرق الموت العراقية التي أدى توسع جيش المهدي الى خروجها عن سيطرة الزعيم مقتدى الصدر، فوجدت طريقها الى سوريا. والصدر لا يستبعد مشاركتهم إلى جانب قوات الأسد. وتحديدا هم من جماعة «اليوم الموعود» وجماعة «عصائب أهل الحق» المدعومين من إيران، بعدما دخلت العراق تشكيلات من قوات النخبة للحرس الثوري تحت غطاء شركات أمنيه إيرانية لحماية الزوار، ودربتهم مع قوات حزب الله العراقي. كما انضمت الى فرق الموت القادمة من العراق جماعات من منظمة بدر لقتال الجيش السوري الحر.
4 ـ الشبيحة هم أقل تلك الجماعات قدرة ومهنية. يقدر عددهم بعشرة آلاف، ويصفهم مراقبون الذراع القذرة للنظام السوري، ووحوش آدمية ومافيا طائفية،، لكنهم من ذوي الذكاء المتدني. تركيبتهم الذهنية ونشأتهم تدفعانهم للتصرف بطريقة فردية أحيانا، لاعتقادهم أن سقوط الأسد سيؤدي الى إبادة العلويون. ورغم إشارتنا الى عدم استحقاقهم الوصف بقوات الصفوة، فإنهم ارتكبوا مجازر مرعبة ولهم دور كبير في السياق العام.
بعد تغير ميزان القوى في المدن والقرى والأرياف ضد الجيش الحر، جراء تحول الثورة الى صراع بالوكالة بين الغرب ودول الخليج من جهة، وإيران من جهة أخرى؛ ولمواجهة الوضع الميداني الذي فرضته طهران، نرى أنه لا مخرج من المأزق العسكري إلا بجرعة دعم خليجية أكبر. فالدعم بالسلاح والأموال أو بالمتطوعين لم تظهر نتائجه المرجوة بعد. ولا يبقى إلا تجهيز المسرح سياسيا لتدخل عسكري دولي، لكون البديل لذلك هو نشر الحرب خارج سوريا، والحرب لن تجد لها طريقا تفيض من خلاله إلا دول الخليج التي أصبح خيارها الإستراتيجي الآني هزيمة طهران عبر بوابة دمشق بأي ثمن.
تعليقات