'استحداث قطاع خاص للنزاهة يتبع الرئيس'

محليات وبرلمان

الصانع: اقترحنا على التشريعية تعديل قانون ديوان المحاسبة

823 مشاهدات 0

ناصر الصانع

صرح الدكتور ناصر الصانع عضو مجلس الأمة السابق ورئيس المنظمة العالمية للبرلمانيين ضد الفساد بأن فرع المنظمة بالكويت قدم رأياً بشأن تشريعات الشفافية ومكافحة الفساد للجنة التشريعية يتضمن ملاحظات هامة وأبرزها ضرورة ضمان استقلالية هيئة النزاهة المقترحة عن هيمنة السلطة التنفيذية، فتجارب الكثير من الدول أشارت إلى ضعف فعالية مثل هذه الهيئات إذا لم توفر لها (الاستقلالية)، وهو الوصف الذي أكدت عليه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي صادقت عليها الكويت عام 2007، ولربما نصوص الدستور الكويتي لا تسمح بإنشاء هيئة جديدة تتبع مجلس الأمة لكننا طرحنا إمكانية تعديل قانون ديوان المحاسبة واستحداث قطاع خاص للنزاهة يتبع الرئيس، ونأمل أن يكون أعضاء اللجنة توصلوا لصيغة تتفادى أخطاء الهيئات التي أنشأتها بعض الدول الأخرى، ولا شك أننا نحيي مجلس الأمة والحكومة على إعطاء أولوية لهذه التشريعات التي ظللنا وعدد من الزملاء ندفع بها منذ قرابة العشرين سنة في كل فصل تشريعي دون استثناء ولكن لم تكن تجد لها صدى.

وإليكم الرأي الكويتي:

عيوب اقتراح بقانون بشأن الهيئة العامة لمكافحة الفساد

أولا) صعوبة الاستقلالية والحيادية

يهدف هذا المقترح إلى إنشاء هيئة مستقلة وحيادية -كما ورد في المادة (3)- لمكافحة الفساد في أجهزة الدولة المختلفة ، وجعلت المادة (2) أحكام القانون سارية على كل العاملين في أجهزة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والمنضوين في القطاع العام، إلا أن المادة (1) ألحقت هذه الهيئة بمجلس الوزراء، والمادة (3) جعلت وزير العدل مشرفا عليها ويرشح أعضاء مجلس الأمناء، وبناء على ترشيحه يصدر بهم مرسوما أميريا بتعيينهم، والأمر بهذه الصيغة لا يحقق الاستقلال والحيادية، فالمقترح جعل الهيئة جهازا حكوميا ملحقا بأحد الوزارات، ويخضع فيه العاملون للأنظمة المالية والإدارية الحكومية برواتبهم وترقياتهم وتقييم أدائهم، فكيف يكون التابع رقيبا على السيد؟ وإذا كانت الحكومة هي التي ترشح مجلس الأمناء ومن بينهم الرئيس ونائبه فما الضمان من أن لا يأتي من يحابيها؟

ثانيا) تعارضه مع مبدأ فصل السلطات

ألحقت المادة (1) الهيئة بمجلس الوزراء، وهذه المرة الأولى التي يلحق فيها جهاز بمجلس الوزراء، إذ سبق أن تم إلحاق مجالس عليا ولجان يرأسها رئيس الوزراء نفسه كالمجلس الأعلى للبترول، أو ينيب عنه أحد نوابه كمجلس الخدمة المدنية، أما الأجهزة التي يريدها مجلس الوزراء أن تبقى قريبة منه فقد جرت العادة على إلحاقها بوزارة الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وفي هذا الوضع يرأسها وزير الدولة ويكون مسئولا عنها أمام البرلمان، غير أن هذا المقترح جاء ببدعة جديدة حيث تم إلحاق الهيئة بمجلس الوزراء دون أن يرأسه رئيس الوزراء، وجاء بوزير غير وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء ليشرف عليها، وهذا الاضطراب يعكس حيرة المقترح في أنشاء جهاز ذو صفة رقابية داخل السلطة التنفيذية، غير أن الأشد غرابة في هذا المقترح هو إنشاء جهاز حكومي له  سلطة تطال السلطة القضائية والتشريعية، مما يصطدم مع المادة (50) من الدستور، إذ أن من سلطات هذا الجهاز الضبط والتحقيق والإحالة للقضاء، وهذه السلطات الممنوحة للجهاز الحكومي سارية على أعضاء البرلمان والسلك القضائي، فكيف يمكن منح جهاز حكومي حق الضبط والاستدعاء وطلب والوثائق والتحقيق والإحالة للقضاء لأعضاء في السلطتين القضائية والتشريعية؟

ثالثا) التعريف القانوني للمصطلحات

جاءت المادة (4) بمصطلحات شائعة في التداول العام لكن تعريفاتها تتسع وتضيق بين الناس، ولذا وجب تعريفها تعريفا قانونيا حتى لا تترك لاجتهادات القضاة واختلافات محامي الدفاع، وهي: 1) الفساد، 2) الشفافية، 3) النزاهة، 4) الوساطة (الواسطة)، 5) المحسوبية.

رابعا) استهانة بحماية المبلغين

جاءت المادة (4) بسبعة أهداف وجعلت الهدف الخامس هو حماية المبلغين، وهذا الهدف يعتبر من أهم واجبات الهيئة لطمأنة المبلغين في جهاز الدولة وتشجيعهم على تقديم البلاغات، وقد تكرر ذكره في المادة (5) كاختصاص ضمن اختصاصات الهيئة، و كذلك ورد ذكره في المادة (15) التي أحالت أحكامه إلى أداة تشريعية أقل وهي اللائحة التنفيذية، أي جعل أحكام حماية المبلغ ضمن اختصاصات السلطة التنفيذية، إن خلو المقترح من أي مواد تنظم هذه الحماية وتكشف قوتها، وصدور القانون بدون مواد في هذا القانون تضمن حماية المبلغين تجعل هذا المقترح هزيلا، أما إذا كان القصد من خلو القانون من أحكام تحمي المبلغين هو تفويض السلطة التنفيذية بوضع اللوائح الخاصة بذلك، فهذا توجه أكثر خطورة من سابقه، فحماية المبلغين هو نقطة الارتكاز في مكافحة الفساد، وتركه للسلطة التنفيذية لتنظيمه ضمن لوائح استهانة بمصالح المبلغين، لذلك يجب أن ينص القانون صراحة على الأحكام التي بموجبها سيتم حماية المبلغين.

خامسا) أهداف ضخمة وصلاحيات هزيلة

جاءت المادة (5) لتضع مهام واختصاصات الهيئة، وجاء المقترح ليضع سبعة عشر اختصاصا ليس فيها أية سلطات فعلية قادرة على وقف أي فساد ظاهر، فسلطات الهيئة محصورة في وضع إستراتيجية ودراسة تشريعات وتقييم تقارير وتنسيق إعلامي وتعاون مع المنظمات الإقليمية، فأية سلطات موجودة في تلك الاختصاصات؟ إنه بهذه الصلاحيات أشبه بمركز دراسات لمكافحة الفساد، بالرغم من أن الأهداف التي صيغت لإنشاء في هذا المقترح جاءت لتنشئ هيئة ذات سلطة فاعلة، إلا أن المقترح جاء بصلاحيات دون مستوى الأهداف، فكيف لهيئة هدفها منع الفساد ومكافحته وملاحقة مرتكبيه وحجز واسترداد الأموال والعائدات الناتجة عنه أن تحقق هذا الهدف بهذه السلطات؟ إن أية المقارنة بين عبء الأهداف وحجم السلطات والاختصاصات الممنوحة للهيئة تكشف عدم جدية هذه الاختصاصات، غير أن السلطة الفعلية التي تعكس قوة هذه الهيئة تأتي في مواد إجراءات الضبط والتحقيق والمحاكمة، ورغم أن الاختصاصات الواردة في هذه الاجراءات تتحدث عن سلطات ضبط وتحقيق وإحالة للقضاء ومصادرة أموال إلا أن المادة المتعلقة باختصاصات الهيئة لم تذكر كل ذلك ضمن اختصاصاتها، لذلك لا بد من إعادة صياغة المادة (5) ووضع الاختصاصات على ضوء السلطات الممنوحة للهيئة في المواد المتعلقة بإجراءات الضبط والتحقيق والمحاكمة.

سادسا) غموض في إجراءات الضبط والتحقيق ومحاكمة الكبار

 تثار تساؤلات كبيرة حول إجراءات الضبط والتحقيق والمحاكمة الواردة في المواد (15) و(16) و(17) و(18) و(19)، كيف ستطبق هذه الإجراءات على النواب والوزراء ورجال السلك القضائي؟ هل ستقف الحصانة حاجزا أمام تلك الإجراءات؟ خاصة وأن للهيئة الحق في مخاطبة واستدعاء الموظفين العموميين أو موظفي القطاع الخاص أو أي شخص له علاقة للاستفسار والتحري؟ فهل هذا يسري على الوزراء والنواب ورجال السلك القضائي؟ وهل يتم ذلك دون الحاجة لرفع الحصانة؟ أم سيظل الكبار يحتمون بالحصانة وتظل سلطات الهيئة قاصرة فقط على من هم دون الكبار؟ وإذا كانت المادة (19) تقول أن الإجراءات التي تطبق للضبط والتحقيق والمحاكمة في جرائم الفساد هي القواعد المنصوص عليها في القوانين النافذة ذات العلاقة، فإن القوانين النافذة والمعمول بها تحصن النواب والوزراء ورجال القضاء، فكيف يمكن الوصول إلى الحقيقة؟ غير أن السؤال الأكثر صعوبة هو هل يحق لجهاز حكومي الاستدعاء والتحقيق مع رجال السلطة التشريعية والقضائية؟ أليس في هذا مخالفة للدستور؟

سابعا) عقوبات غير متوازنة مع جرائم الفساد

تذكر المادة (25) أن من يرفض متعمدا وبغير مبرر تزويد الهيئة بالمعلومات أو الوثائق المطلوبة يعد مرتكبا جريمة يعاقب عليها وفقا لأحكام هذا القانون، وتذكر المادة (23) نوع العقوبة الواردة بأحكام هذا القانون وهي الحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على عشرة آلاف دينار أو بأحدى هاتين العقوبتين، وهذه العقوبة لا تتناسب مع حجم الفساد المالي الذي يصل إلى مليارات الدنانير، إذ يمكن ممارسة الفساد مقابل دفع مبلغ العشرة آلاف دينار، أو يمكن ممارسة الفساد إذا وجد من لديه استعداد لدخول السجن لمدة خمس سنوات مقابل ملايين الدنانير التي تقتطع من المليارات، إن وضع العقوبة بهذه الصورة يشجع الاعتداء على الأموال العامة الضخمة، كما إن الإستثناء الوارد في المادة والذي جاء بصيغة (متعمدا وبغير مبرر) كأنه يفتح الباب لمن يدعي عدم التعمد، أو يدعي أنه لديه مبرر، ويدخل محامي الدفاع من هذه الثغرة لحماية غير المتعاونين مع الهيئة.

مقترحات لعلاج عيوب القانون

أولا) ضمان الاستقلالية والحيادية باللجوء إلى تعديل قانون ديوان المحاسبة

من أجل ضمان الاستقلالية والحيادية لا بد للهيئة الجديدة أن تكون خارج أطار السلطات الثلاث، ولما كان الدستور الكويتي لا يجيز إنشاء هيئات خارج إطار السلطات الثلاث، باستثناء ديوان المحاسبة الذي نصت عليه المادة (151) من دستور دولة الكويت والتي تذكر أن ينشأ بقانون ديوان للمراقبة المالية يكفل القانون استقلاله ويكون ملحقاً بمجلس الأمة، ويعاون الحكومة ومجلس الأمة في رقابة تحصيل إيرادات الدولة وإنفاق مصروفاتها في حدود الميزانية، ويقدم الديوان لكل من الحكومة ومجلس الأمة تقريراً سنوياً عن أعماله وملاحظاته'، لذا فإن الأفضل للمشرع أن يستفيد من هذا الاستثناء ويعدل قانون ديوان المحاسبة، ويضيف  قطاعا جديدا للديوان باسم قطاع النزاهة أو قطاع مكافحة الفساد،  ويمكن أن  نضرب مثلا كالتالي:

المادة الأولى تنشأ هيئة مستقلة للمراقبة المالية والإدارية تسمى 'ديوان المحاسبة والنزاهة ' وتلحق بمجلس الأمة.

المادة الثانية يهدف الديوان أساسا إلى تحقيق رقابة فعالة على الأموال العامة وضمان النزاهة في أداء الوظيفة العامة وذلك عن طريق ممارسة الاختصاصات المخولة له بمقتضى هذا القانون وعلى الوجه المبين فيه.

المادة الثالثة يشكل الديوان من رئيس ونائبين للرئيس، وعدد كاف من الموظفين الفنيين وفقا لأحكام هذا القانون، كما يجوز تعيين أكثر من وكيل ووكيل مساعد للديوان تبعا لحاجة العمل ومقتضياته، ويلحق بالديوان العدد اللازم من الموظفين غير الفنيين، في تطبيق أحكام هذا القانون، والمستخدمين، من مختلف الفئات والدرجات.

المادة الرابعة يتألف الديوان من قطاعين، القطاع الأول قطاع المحاسبة والقطاع الثاني قطاع النزاهة، ويتكون القطاعين من إدارات ومراقبات وأقسام وشعب يصدر بتشكيلها وتنظيمها وتحديد عددها ونطاق اختصاصات كل منها قرار من رئيس الديوان.

ثم يمضي تعديل القانون بمختلف مواده على أساس قطاعين، حيث تبقى مواد قطاع المحاسبة على حالها إلا ما يستدعي تعديله نتيجة وجود قطاعين، وبعدها يتم إضافة جزء كامل يتعلق بقطاع النزاهة أو محاربة الفساد، وهو المقترح الجديد لمكافحة الفساد؟

ثانيا) بوضع جهاز مكافحة الفساد ضمن غطاء مجلس الأمة تم تحقيق هدفين ، الأول وضع الأجهزة الرقابية ضمن أطار السلطة التشريعية والرقابية وهو انسجام مع طبيعة الاختصاص، والثاني تجاوز التعارض مع مبدأ فصل السلطات على الأقل بين سلطتين التشريعية والتنفيذية، ويحتاج المقترح البحث عن أداة تمنح الديوان حق ضبط والتحقيق والإحالة إلى القضاء مع رجال السلك القضائي، أو البحث عن مخرج لتمكين الهيئة من وقف الفساد في الجهاز القضائي.

ثالثا) يجب وضع الأحكام المقترحة في اللائحة التنفيذية لحماية المبلغين ضمن المقترح بقانون، ويجب أن تكون هذه الحماية واضحة وتفصيلية لا تتيح فرصة لاجتهادات السلطة التنفيذية.

رابعا) يجب أن يعاد صياغة الأهداف والصلاحيات والاختصاصات بشكل يختصر الطابع الإنشائي، وينسجم مع السلطات الممنوحة للهيئة في ضبط والتحقيق والأحالة للقضاء في المقترح.

خامسا) يجب أن ينص القانون على حق الهيئة في استدعاء والتحقيق والإحالة للقضاء دون موافقة على رفع الحصانة من أي طرف، وهذا حق سبق أن أعطي لرئيس ديوان المحاسبة في قانون حماية المال العام بالإحالة إلى النيابة لأي وزير يتواني في تقديم التقارير المطلوبة، وانطلاقا من هذه السابقة يتم تفصيل حق لقطاع النزاهة في الاستدعاء والتحقيق والإحالة إلى القضاء دون الحاجة لرفع الحصانة.

سادسا) إعادة تفصيل العقوبات الواردة في القانون بحيث تتناسب مع حجم المال المسروق، أو الفساد الناتج عن سوء استخدام الوظيفة العامة، فالممتنع عن تقديم المستندات أو المعلومات يجب أن يعتبر شريكا مع الفاسدين ويلحق في صحيفة الاتهام ويناله عقابا من جنس عقاب الفاسدين، فأين المصلحة العامة فيمن يعين سارقا للملايين بدفع غرامة عشرة آلاف دينار أو السجن خمس سنوات؟

سابعا) يجب تحديد حالات غير التعمد في المادة (25) وإيرادها في مواد القانون، كما يجب تحديد المبررات التي نصت عليها المادة (25) والتي يمكن للهيئة إعفاء أي مسؤول أو موظف عام عن تزويدها بأقواله أو الوثائق التي يملكها.

الآن: محرر المحليات

تعليقات

اكتب تعليقك