بواقعنا شخصيات أسود على النعاج ونعاج أمام الأسود.. سعود الحربي متعجباً
زاوية الكتابكتب يونيو 4, 2012, 12:50 ص 1515 مشاهدات 0
الوطن
ديمة قلم / لن تصبح رجلاً
د. سعود هلال الحربي
من قصص الحياة الكثيرة ذات المغزى قصة تقول ان هناك رجلا لديه ولد ذو طبع غريب ووضيع، وعندما أدرك أنه لن ينفع بشيء ويئس منه نتيجة لموقف به من الحماقة ما به قال له: يا ولدي لن تصبح رجلا، وكلما أخطأ الولد وكان خطؤه فادحا كرر عليه والده العبارة ذاتها، الى ان ضاق الولد ذرعا بما يتردد على مسمعه دائما، فما كان منه الا ان هرب بعيدا ليبحث عن ذاته ومستقبله دون تشنيع والده المستمر، الى ان استقر في اسطنبول وأصبح صدرا أعظم وهو منصب عثماني كبير يتبعه الوزراء، وبعد ان استقرت أموره وشعر بالراحة والسعادة فكر بوالده الذي هجره دون علم منه فأمر من يليه بالرئاسة ان يُحضر والده، ثم تحول الأمر الى وزير الداخلية ومن مسؤول الى آخر حتى وصلت الأوامر الى مخفر شرطة قريته، الذي هاجم رجال الدرك أو الشرطة فيه بيت الوالد ليلا واقتادوه عنوة وبكل قسوة ليبيت ليلته خائفا جائعا تائها، وعندما نقلوه الى الصدر الأعظم أخبروه ان المطلوب خارج المكتب، ونظرا لانشغاله قال: لينتظر ناسيا أنه والده، وبعد فترة أدخلوه عليه وهو بملابس نومه وبدا عليه التعب والارهاق والضنك والخوف، ففوجئ الصدر الأعظم بوالده ولكنه تماسك وظهر عليه نوع من الفخر والاعتزاز وقال لوالده: هل عرفتني فرد عليه: أنت ولدي، فقال: ما رأيك بعد أصبحت صدرا أعظم، فقال الوالد وهو يمسح دموعه وبنفس وخاطر مكسور: أصبحت صدرا أعظم ولكن لم تصبح رجلا.
في روايته الشيقة (مُذلون مُهانون) يقدم الكاتب الروسي الشهير ديستويفسكي صورة من صور الأشخاص الغريبين في الحياة، حيث يُعرف أحد أبطال الرواية وهو ماسلوبوف نفسه بكل وقاحة وجسارة للراوي ايفان بتروفيتش بأنه وضيع ويقوم بأعمال مريبة ثم يقول (على الرغم من انني لا أعمل فأنا أكسب مالا كثيرا وأتقاضى أجرا على التوسط للناس... انني أسد أمام النعاج ونعجة أمام الأسود).
تلك الصورتان مرتا بخاطري وأنا أقرأ وأتابع مثل غيري بروز بعض الأسماء والشخصيات في واقعنا الاجتماعي، فمنهم نعرفه حق المعرفة وأنه لم يكن شيئا يذكر وأصبح الآن شيئا آخر، حيث الاسم والمنصب والمكانة والتي نعرف تماما أنه دفع انسانيته وحياته وكرامته وعرق الخجل ثمنا لها، ومع ذلك لم يصبح رجلا وأنه أسد على النعاج ونعجة أمام الأسود.
تعليقات