أهل عالي ما فكروا إلا تالي
زاوية الكتابكتب يونيو 3, 2012, 2:50 م 2592 مشاهدات 0
في وسط التجاذبات السياسية حول قضية الداو كيميكال و بدلاً ان يتجه النقاش الى كيف وصلنا إلى هنا و معالجتها, تحول للاسف و كالعادة الى مباراة تسجيل نقاط في مرمى الخصوم السياسية و تراشق الاتهامات بين هذا و ذاك و خلط اوراق متعمد و اصبحنا كما المثل ' أهل عالي ما فكروا إلا تالي' اي بعد ان وقع الفأس بالرأس استوعبنا ما كنا نحذر منه منذ سنين.
ان ما نعانيه و بكل بساطة و على مدى سنوات هو خلل بمسلك الإدارة. فسلوك الدولة بمعالجة القضايا يؤكد ان مسلك الإدارة الحكومي خلال السنوات الماضية قد واصلنا إلى ما نحن عليه. و التالي هو على سبيل المثال لا الحصر و لا يعنيني هنا صحة القرارات او المشاريع من عدمها و لكن اذكرها من باب بيان الخلل المزمن الذي نعانية:
1. الحكومة تشكل لجنة لتقديم تصور لتعديل الدوائر الانتخابية في 2006 و جاء تقرير اللجنة الى تعديل الدوائر إلى خمس. فتجاهلت الحكومة رأي لجنتها و قررت التعديل الى عشر دوائر. ثم تقرر بسابقة مثيرة بتحويل مشروعها إلى المحكمة الدستورية !! و حين اعترض الشارع الشعبي و السياسي قامت بحل المجلس. و بعد الانتخابات مباشرة توافق الحكومة على الدوائر الخمس التي حل المجلس بسببها !! اليس هذا خلل في مسلك الإدارة ؟
2. اعترضت الحكومة في 2008 على زيادة الرواتب 50 دينار بعذر ان هذه الزيادة ترهق ميزانية الدولة و حل المجلس على اثرها و بعد الانتخابات الجديدة مباشرة تم إقرار الزيادة ب 120 دينار بدل ال 50 دينار التي حل المجلس بسببها !! اليس هذا خلل في مسلك الإدارة ؟
3. صدر مرسوم اميري في 24 يونيو 2007 بإنشاء شركة امانة للتخزين و في 2 سبتمبر 2007 قرر مجلس الوزراء الغاء المشروع و وقف الاكتتاب بعد اتهامات بتفريط أملاك الدولة بأرض قيمتها 12 مليار دينار لصالح الشركة. و قد جاء الالغاء رغم تأكيد وزارة التجارة في 22 أغسطس 2007 ان إجراءات تأسيس الشركة نفذت بصورة قانونية و شفافه و خالية من الشبه الادارية و القانونية و قد تمت الموافقة من وزارة التجارة و الفتوى و التشريع و مجلس الوزراء. اليس هذا خلل في مسلك الادارة ؟
4. حصلت لجنة ازالة التعديات على املاك الدولة على موافقة مجلس الوزراء و وزارة الاوقاف و الشؤون الإسلامية و ادارة المتاحف التابعة للمجلس الوطني للثقافة و الفنون و الاداب و بلدية الكويت على إزالة المساجد المخالفة (المعروفه بمساجد الشينكو) و بالفعل قامت اللجنة و بعد الموافقات الرسمية بعملية الازاله. و بعد تهديد احد النواب لرئيس الوزراء بالاستجواب عبر رسالة مسج امر رئيس الوزراء السابق بوقف أعمال اللجنة و تعهد باعادة بناء المسجد المخالف على نفقته الخاصة عبر رسالة مسج ايضاً. اليس هذا خلل في مسلك الإدارة ؟
اما القطاع النفطي فحدث و لا حرج. فمسألة الالغاء امر معتاد و قضية الكي داو ليست الاولى. ففي عام 2006 عرضت شركة النفط الكويتية العالمية بيع مصفاة تكرير النفط في روتردام (هولندا) المملوكة للكويت و تقدم لشرائها 15 مستثمر و اعلن فوز شركة 'لوك اويل' الروسية بالصفقة. و بشكل مفاجىء تراجعت الكويت عن خطة بيع المصفاة. و في حادثة مشابهه اخرى اعلنت شركة البترول الوطنية الكويتية عن مناقصة المصفاة الرابعة في 7 أكتوبر 2007 وتم اغلاق باب تسلم العروض في 26 ديسمبر 2007 وأعلنت نتائجها في 11 مايو 2008 و ثم قرر مجلس الوزراء الغاء المناقصة و تم ابلاغ شركة 'فلور' الامريكية و شركة 'هيونداي' الكورية الجنوبية بفسخ العقد. اليس هذا خلل في مسلك الادارة ؟
الواضح من جميع الامثلة اعلاة ان المسلك الاداري للدولة (المتمثل بالحكومة) هو التراجع و عدم اللتزام و عدم الدفاع عن وجهة نظرها و رأيها رغم (و حسب ادعاءات الحكومة) ان قراراتها و مشاريعها متوافق مع الدستور و قوانين الدولة و حاصل على الموافقات الرسمية و متوافق مع دراسات الجدوى و مقصدها الاساسي هو مصلحة الدولة و المواطنين.
الحكومة تملك جيش جرار من الموظفين و اعداد هائلة من المستشارين و تملك المعلومات و تملك التقارير و تملك الهيئات و المؤسسات و دراسات الجدوى و مجالس التخطيط و الاحصاء و الوزارات و الميزانيات و شركات التدقيق و بيوت الاستشارات العالمية و الخبراء و ست محطات فضائية و واحدة ارضية و اذاعة و هيئات اخبارية و اعلامية و جميع ما سبق يوظف لصالح خدمتها و الدفاع عن رأيها و اقناع الرأي العام بقراراتها و مشاريعها. فهل يعقل بعد هذا كله الادعاء ان نائب او سؤال برلماني او استجواب او تصريح او بيان او حتى 'مسج' هو السبب باهدار مصالح الدولة و تنمية مواردها ؟
ان المنطق يحتم علينا ان نعتقد بعدم سلامة قرارات و مشاريع الحكومة. فلا هي تدافع عن نفسها و قراراتها و مشاريعها و لا سجلها الحافل بالاخفاقات يشفع لها. فكم من قرار او مشروع ثبت لاحقاً عدم جدواه او كان مثقلاً بالتجاوزات او الشبهات او السرقات او سوء التنفيذ ؟
كمواطنين هناك حقيقة واحدة لا يمكن تجوازها و هي ان مجلس الوزراء يهيمن على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية (المادة 123 من الدستور) و بالتالي هي المسؤولة امامنا كشعب.
تعليقات