الدولة وشعبها أكبر من أي سحب سوداء مؤقتة.. المقاطع مؤكداً
زاوية الكتابكتب يونيو 2, 2012, 1:03 ص 628 مشاهدات 0
القبس
الديوانية / إعادة كتاب التاريخ.. محاولة لخلط الأوراق
أ.د محمد عبد المحسن المقاطع
حينما نقلب صفحات تاريخ الكويت المعاصر، وتحديدا في الخمسين سنة الماضية، نجده ينقسم إلى ثلاث مراحل واضحة المعالم مختلفة الصفات: فالمرحلة الأولى امتدت من عام 1960 وحتى عام 1978، وشهدت ميلاد الدولة الحديثة بدستورها ونظام حكمها المؤسسي، وبدأت خطوات بناء وتكوين مؤسسات الدولة، فـ «التعليم» شيدت مدارسه وارتقى صرحه الجامعي وتلاحقت كواكب خريجيه، و«الصحة» بنيت مستشفياتها، وبرزت رعايتها المناطقية بفكرة رائدة جسدتها المراكز والمستوصفات الصحية، والبنى التحتية من طرق وجسور وشبكات شيدت بنظرة مستقبلية ثاقبة، والتشريعات دارت عجلتها وحبكت صياغتها وأسست لدولة المشروعية والمؤسسات، وتلاحقت خطوات البناء المستقبلي، فكانت أساسا قويا لدولة عصرية منفتحة حتى صارت الكويت في تلك الحقبة قبلة للخليج وموضع جذب للعرب فكرا وتعليما وتجربة سياسية.
أما المرحلة الثانية والتي امتدت من عام 1978 وحتى عام 1996، فهي مرحلة استهلاك السمعة التي أسستها المرحلة السابقة، فطغت عليها مظاهر الأهازيج والأغاني والأناشيد والقصائد التي تتباهى بما أنجز في المرحلة الأولى من دون تطوير بما هو في الواقع، بقدر ما كان هناك استهلاك واضح لما حققته الدولة من انجازات في تلك المرحلة، فكانت الحكومات والبرلمان في هذه المرحلة حارسا على ما مضى من دون إضافة أو تطوير، مما جعل مؤشر عمل الدولة وانجازها إما ثابتا او في تنازل بطيء، لكنه بالتأكيد لم يكن يتجه الى الارتفاع او التقدم.
أما المرحلة الثالثة، وهي التي بدأت منذ عام 1997 وحتى اليوم، فإنها دخلت إلى مرحلة هدم مكونات الدولة وتآكل بنائها المؤسسي واضمحلال تكوينها القانوني وتراجع مؤشرات المشروعية فيها، بل وأكثر من ذلك شاعت فيها ثقافة الأنانية وتوجهات الفوضى وضاعت خلالها قيم المواطنة الصالحة ومفاهيم الاحترام التي جبل عليها الكويتيون، سواء اجتماعيا او ثقافيا او إنسانيا، وانحدر التعليم وبرزت ظاهرة الشهادات بلا قيمة للعلم ولا للمؤسسات التعليمية، وتفشت الاتكالية والاقتيات على الدولة، وتكشفت حالة الصراع المقيت بين المجاميع السياسية والكتل البرلمانية واستهداف عضوية البرلمان معبرا لتكوين الثروة أو الوجاهة أو تحقيق الذات النرجسية، من قبل ممن لا وجود لذاته على أي مستوى من مستويات الحياة المختلفة، وهكذا بلغنا حالة تفكك الدولة وانهيار مؤسساتها بسبب قلة ملكت المال او النفوذ أو السيطرة على مقاليد العمل البرلماني والمؤسسات الإعلامية، والتي لم تتوان لحظة في هدم الدولة، معلنة من نفسها حربا من أجل إفراغ البلد من كل مصلح أو شريف أو مهني أو مخلص، حتى يصبح لها كيان بعد إزاحة كل هؤلاء، فتوارى الرجال وظل أشباههم هم السائدون على الساحة في هذه المرحلة.
فنجحت حالات محاولة خلط الأوراق في كل أمر يمر به البلد، وصار ذلك تهديدا ليس لهويتها او كيانها فقط، وإنما حتى في محاولة إعادة كتابة تاريخها بوقائع زائفة وبعبارات مشوهة وبأحداث وروايات مزورة، وهو أمر لن يدوم ولن تحجب به احدى حقائق التاريخ، أو يملك أن يغير في كتابتها، فالدولة وشعبها أكبر من أي سحابة تخيم عليهما غيومها السوداء مؤقتا، فبعد الظلام الحالك ستشرق حتما شمس وطن النهار.
تعليقات