كيف تورطنا ببرنامج نطاقات؟! بقلم د. عبدالرحمن محمد السلطان
الاقتصاد الآنمايو 15, 2012, 3:11 م 1505 مشاهدات 0
كي تعرف أن لبرنامج نطاقات تأثيرًا سلبيًا على مشروع السعودة فما عليك إلا ملاحظة موقف رجال الأعمال منه، فمنذ بدء تطبيقه اختفى تمامًا كل نقد لوزارة العمل، وبدأ القطاع الخاص راضيًا عن جهود توطين الوظائف، ولم تعد السعودة معيقًا للقطاع الخاص عن القيام بدوره في عملية التنمية.
السر في ذلك بالطبع أن نطاقات قد سهل الاستقدام وبسط إجراءاته بشكل هائل على معظم منشآت القطاع الخاص، بحيث لم يُعدُّ لديهم أي مشكلة مع جهود السعودة، فكل ما هو مطلوب لاستقدام مزيد من العمالة أن تكون في «النطاق الأخضر» أو تنتقل إليه ولو من خلال سعودة وهمية.
لذا وبالرغم من تسويق وزارة العمل لبرنامج نطاقات على أنه حل إبداعي سيُنجح جهود التوطين نجد أن الذي حدث العكس، حيث توسع الاستقدام واستشرت السعودة الوهمية وزاد الاعتماد على العمالة الأجنبية في القطاع الخاص في وقت تتزايد فيه البطالة بشكل هائل، وغني عن القول: إنه من غير المبرر ولا المقبول أن يظل القطاع الخاص خارج المنظومة الإيجابية للاقتصاد الوطني، فيبقى قطاع إسهامه محدود جدًا في توظيف العمالة المواطنة ولا يدفع أي ضرائب ويكتفي فقط بالحصول على الإعانات والدعم الحكومي والتمتع بامتيازات احتكارية تسببت في ارتفاع تكلفة المعيشة بحيث وصلت معدلات التضخم محليًا إلى مستويات تفوق كثيرًا معدلاتها العالمية.
الذي أوصلنا إلى هذا الوضع العجيب هو غياب التخطيط الاقتصادي، حيث تُركت مهمة التخطيط للأجهزة التنفيذية، بالرغم من أنها قد لا تكون مؤهلة ولا قادرة على القيام بهذه المهمة، وقد لا تمتلك الأفق الذي يسمح لها باستيعاب كافة الانعكاسات التي ستترتب على سياسة معينة. كما أن افتقار هذه الأجهزة للقدرات البشرية القادرة على وضع الخطط المناسبة دفعها إلى الاعتماد على المكاتب الاستشارية الأجنبية التي ليس لديها في الغالب أي فهم أو إدراك للظروف المحلية، ما يجعلها تخرُج في الغالب بمقترحات ساذجة لا تملك أي فرصة للنجاح، إلا أنه وبسبب عدم امتلاك الجهاز الحكومي للموارد البشرية القادرة على تقييم ما يقدم له من خطط وبرامج، نجد أن مثل هذه المقترحات غير الواقعية تمرر دون تمحيص أو تدقيق.
وعدم نجاح برنامج نطاقات في تحقيق المأمول منه بل حتى إعادته لمشروع السعودة إلى الوراء، وفي ظل وجود تجارب مماثلة في أجهزة حكومية أخرى عديدة، يعني أن هناك حاجة وضرورة ماسة لوجود جهاز تخطيط اقتصادي فاعل مستقل تمامًا عن الجهاز التنفيذي للدولة تكون مهمته وضع الخطط والبرامج وتتفرغ الأجهزة الحكومية لأعمالها التنفيذية. فالتجارب الدولية الناجحة في التخطيط الاقتصادي تشير إلى أن إناطة مسؤولية التخطيط الاقتصادي بجهة مستقلة عن الجهاز التنفيذي، يعهد إليها بمهمة صياغة الإستراتيجيات الاقتصادية الشاملة ووضع الخطط التفصيلية التي تحدد بوضوح ودقة دور ومهام مختلف الأجهزة التنفيذية، لا تحقق فقط تناغم وتضافر جهود تلك الأجهزة، بل وتضمن أن تكون الخطط الاقتصادية مبنية على رؤية شاملة للتحديات الاقتصادية وأنها تأخذ في الاعتبار كافة الخيارات المتاحة، من ثم تقل احتمالية إقرار برامج تحقق عكس ما يرجى منها كبرنامج نطاقات.
تعليقات