الغرب في مخاض اقتصادي عسير بقلم ليون برخو
الاقتصاد الآنمايو 5, 2012, 3:36 م 880 مشاهدات 0
لم يتعرض الغرب، ولا سيما الدول الأوروبية منه وبالخصوص التي هي ضمن الاتحاد الأوروبي، لأزمة اقتصادية خانقة، كما هي الآن منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها.
والمؤشر الأهم لهذه الأزمة هو فقدان القيادة الموحدة أو المشتركة، التي يجتمع حولها الغربيون. ولقد لخصت جريدة ''الإندبندت'' البريطانية، وعلى صدر صفحتها الأولى وبالقلم العريض هذه الأزمة بالقول إن أوروبا على شفا أزمة قيادة خطيرة.
بعض دول الاتحاد الأوروبي يبدو أنها ضاقت ذرعا بالأوامر التي تتلقاها من دول قوية، ولا سيما ألمانيا، ولقد بات هذا واضحا في المواقف الأخيرة، غير الودية، التي اتخذها فرنسوا هولاند المنافس القوي للرئيس الفرنسي المنتهية ولايته نيكولاي ساركوزي، من أنجيلا ميركل زعيمة ألمانيا.
والتململ واضح في إيطاليا حيث - حسب الصحافة الأوروبية - صارت السرقات من المزارع من قبل الفقراء أمرا مقلقلا للشرطة. وأوضاع اليونان وإيرلندا وإسبانيا والبرتغال حتى بريطانيا وفرنسا وهولندا لا تحسد عليها.
ألمانيا ومعها فرنسا ساركوزي - التي على الأرجح لن تبقى ساركوزية بعد يوم الأحد حسب آخر الاستبيانات - تقاتلا كي تبقى أوروبا موحدة واحدة لها صوت واحد، ولا سيما في الشؤون السياسية والاقتصادية. أرادتا أن تتحكما، ولا سيما في منطقة اليورو، وذلك بعمل المستحيل لإبقاء العملة الأوروبية الموحدة سارية المفعول.
هذا النهج منح الدولتين صوتا مؤثرا لم تحظ به أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. بيد أن الأزمة الاقتصادية الخانقة جعلت صدى هذا الصوت يضيع في براري المديونية، وخفت تأثيره اللهم إلا عند تعلق الأمر بالقضايا العربية والإسلامية، حيث صوتهم لا يزال مسموعا، وهذا بالطبع عائد إلى ضعف وانقسام الدول العربية والإسلامية.
الغرب تقريبا برمته وصل حالاً فقد فيه كل سياساته وحيله الاقتصادية رونقها لإنعاش الاقتصاد من خلال النمو. والاقتصاد الرأسمالي ميت لا محالة إن فقد ميزة النمو، ويبدو أن هذه الميزة التي كان يتباهى بها الغرب صارت صعبة المنال.
كان في السابق محافظ أي بنك مركزي إن في أمريكا أو بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا أو غيرها من الدول الصناعية الغربية الكبيرة يؤثر في الدورة الاقتصاد ونسبة النمو من خلال سياساته المالية. اليوم يجتمع محافظو البنوك المركزية ووزراء المال في الغرب كي يبقوا الأمور، كما هي ولكن دون جدوى.
حتى بريطانيا دخلت مرحلة الانكماش وفي أوروبا لم يبق حاليا إلا ألمانيا، العملاق الاقتصادي العالمي، ودول شمال أوروبا مثل السويد والنرويج والدنمارك التي لا زال النمو الاقتصادي فيها قائما. والنمو المطرد غاية في الأهمية في دول الرخاء الاقتصادي والضمان والأمن الاجتماعي مثل أوروبا الغربية. والشعوب الأوروبية لا تسمح أن تمس الدولة معاشاتها ومدخراتها التقاعدية، وما اعتادت عليه من دعم سخي لكل ما يتعلق بالحياة العامة.
ولكن كي يستمر هذا الرخاء لا بد من النمو، والنمو كي يحصل لا بد من وجود قوة شرائية - أي أن تكون الناس مقتدرة على الدفع. كان سابقا النمو يأتي أغلبه من خلال الصادرات والخدمات. وعندما انخفضت الصادرات تدنت الإيرادات وكي تبقي على الرخاء دخلت هذه الدول، فيما يطلق عليه بعض الاقتصاديين بـ ''هاوية المديونية'' وبدأت بالاقتراض وتراكمت الديون مثل الجبال إلى درجة أن البعض منها وصل حالة الإفلاس لعدم مقدرته الدفع.
ألمانيا تريد من الدول الأوروبية أن تدخر كي تدفع الديون. والادخار يعني استقطاعات هائلة، ولا سيما في الدعم المالي، الذي كانت تقدمه هذه الدول لمواطنيها ومنها معاشات التقاعد العام.
ربما لن يتصور قرائي الكرام مقدار الألم والأذى الذي ستلحقه هكذا سياسات بمواطن كد وعمل طوال حياته وفجأة يرى أن ما يستحقه كمعاش عند بلوغه الكبر قد تم استقطاعه أو أن الكثير من الدعم الذي اعتاد عليه قد تبخر. ولهذا ازدادت حظوظ فوز كل زعيم أو حزب أوروبي معارض للسياسة الساركوزية - الميركلية في الانتخابات. هذا مخاض عسير ستحس بتداعياته الدنيا، ويبقى السؤال: أين موقع العرب والمسلمين منه؟
تعليقات