من يعوض حتى حزب الله اللبناني او الكويتي عن هذا الرصيد الشعبي الذي احترق في «مغامرة التأبين»؟ ..خليل علي حيدر يغوص فى تفسير تداعيات الحدث

زاوية الكتاب

كتب 702 مشاهدات 0


 

 

شيعة الكويت.. وتأبين «عماد مغنية»
خليل علي حيدر
ربما كان من المناسب الآن، بعد ان هدأت ازمة تأبين «عماد مغنية» والزوبعة التي رافقتها، بانتظار كلمة القضاء، ان نتساءل جميعا، بما في ذلك انصار حزب الله في الكويت، او «حزب الله الكويتي»، هل استفاد الحزب حقا من هذا التأبين سياسيا ومذهبيا واجتماعيا؟ هل اكتسب «حزب الله» الكويتي مكانة ارتفع بها في المجتمع او حصل على حرية اكبر في الحركة والتظاهر، او جني المزيد من الشعبية في الاوساط السياسية الكويتية، او حظي بقدر اكبر من التأييد؟
هل الذين كانوا يفتحون لانصار حزب الله واعلامه الصدور والصفوف والمنصات، من بين القوى السياسية الكويتية على استعداد لان يرحبوا في أي مناسبة فلسطينية او كويتية او خليجية قادمة، لان يتظاهروا او يجلسوا مع انصار حزب الله في مكان واحد؟ حتى لو نطقت المحاكم ببراءة المؤبنين؟
واذا كان التأبين خطوة غير مدروسة وقفزة في الظلام وشيئا من قبيل الاوامر الحزبية الخاضعة لمبدأ «نفذ ثم ناقش»، او لا تناقش ابدا لانك «لا تعلم ما يعلمون»!! فمن المسؤول عن مثل هذه السياسات، في بلد له دستور وقوانين، ويتأثر ابناء مختلف الطوائف فيه بأي خطوة سياسية مذهبية كهذه.. وبخاصة الشيعة؟ بل ومن يعوض حتى حزب الله اللبناني او الكويتي عن هذا الرصيد الشعبي الذي احترق في «مغامرة التأبين»؟ ثم الا يحق للشيعة بالذات في الكويت، سواء كانوا من المتعاطفين والانصار او البعيدين المعارضين لحزب الله ان يحاسبوا المؤبنين على هذه الازمة الجارفة، والخطوة الخطيئة، ومصارحة الشعب الكويتي سنة وشيعة بما جرى؟
الا يحق للجميع ان يتساءل كذلك لماذا فقدت الثورة الاسلامية الايرانية بريقها سريعا، ولماذا ادخل حزب الله شيعة لبنان في هذه المتاهة، ولماذا يمارس حزب الله الكويتي سياسات ستنعكس سلبا وانتكاسا على مصالح الحزب وكذلك على السمعة السياسية والوطنية للشيعة؟ يقال في اوساط شيعة الكويت والسنة المتعاطفين معهم، وفي كل الاوساط الخائفة على مستقبل استقرار البلد، ان «جماعة التأبين» وأنصار حزب الله «فئة محدودة لا تمثل الطائفة»، ولكن على الشيعة بالذات ان يحاسبوا انفسهم ويحاسبوا هذه الفئة بالذات من الداخل، فبعض هؤلاء ماض في هذا الطريق بعزم وتعصب منذ ما قبل الثورة الايرانية! وقد تسببوا في مشاكل وحوادث معروفة بعد الثورة، وتسببوا في اعدام عشرات الشباب الشيعة في مكة، ولم ينجح بعض المؤبنين من الموت الا «بمعجزة» التوسط ولو كان أي انسان آخر في مكان هؤلاء، لاكلته الحسرة وكواه عذاب الضمير، بسبب ما جرى لكل هؤلاء الشباب، وما تسببت سياساتهم من مشاكل لعموم الشيعة!! ولكن هؤلاء فازوا مرارا منذ ذلك الحين في الانتخابات البرلمانية، مما يدل على أزمة حقيقية في الوعي السياسي ضمن أوساط الشيعة قبل غيرهم. والان وقد سمح للنساء بالتصويت، وما هو معروف عنهن للاسف في أوساط الشيعة والسُنة من تعاطف مع «الاسلاميين»، فقد تتعزز مكانتهم!
وكان أنصار حزب الله وأنصار ولاية الفقيه في الكويت معادين للولايات المتحدة، لا لأن امريكا خطرة على الكويت، أو انها تمثل تهديدا لمصالحها، بل أن الثورة الاسلامية في ايران اصطدمت بها وعادتها.. ولا تزال!
وحتى عندما ضاعت الكويت في أغسطس 1990 ولعبت أمريكا الدور الرئيسي في تحررها، بل وفي انقاذ مصالح شيعة الكويت أنفسهم من الضياع، بما في ذلك مصالح انصار حزب الله وولاية الفقيه، فإن هذا الحزب وأنصاره لم يخفف درجة واحدة من درجات كراهيته الحزبية والسياسية لامريكا. ولم يكن هذا الاصرار بسبب تحليل علمي للموقف أو دراسة للدور الأمريكي كما يزعم البعض بل لمجرد تبني الحزب لموقف الثورة الايرانية والولي الفقيه. ولو تصالحت ايران غدا مع الولايات المتحدة على نحو ما، أو وفق صفقة ما، أو توازن ما، فسنرى فورا جملة من التحولات السياسية في لبنان والبحرين والكويت في خطاب اعتى عتاة رجال حزب الله!
لم تكتف امريكا بذلك! وبدورها في تحرير الكويت ودعمها عبر سنين طويلة واستقبال طلبتها، واعلان الامتنان لتعاونها على الدوام، بل تشيد المؤسسات الامريكية على الدوام بحقوق وحريات الشيعة، بالذات في الكويت، وتساند حرية الدين والعقيدة وحقوق الاقليات في دول الخليج وكل العالم العربي والاسلامي. أليس هذا دعما دوليا عظيم القيمة والتأثير، يحصل عليه الشيعة في كل العالم، بينما لا يكف الكثير من ساستهم ومن أجهزة اعلام حزب الله في لبنان والكويت ودول الخليج عن شتم الولايات المتحدة وقتل جنودها والتباهي بمعاداتها؟! فما مصلحة شيعة الكويت بالذات في معاداة الولايات المتحدة والمصالح الأمريكية، ولماذا كلما اصيب الولي الفقيه بالزكام ينبغي ان نتجاوب في الكويت بالعطس والحمى؟
إن الجمهورية الاسلامية الايرانية دولة في غاية الأهمية السياسية والمكانة المتميزة بخاصة بالنسبة لمصالح الكويت الاستراتيجية، دولة ينبغي أن نحرص دائما على تعزيز العلاقات معها قدر المستطاع. ولكن مصالحها، أو الكثير من مصالحها وأفكارها وايديولوجيتها، لا تتطابق بالضرورة مع مصالح وأفكار الكويت ومصالح الكويتيين شيعة وسُنة.
ولايران رؤى ومصالح وسياسات في العراق ولبنان ودول الخليج وفي غزة والضفة الغربية وسورية، لا تتطابق مع رؤانا ومصالحنا. فللكويت حجمها وتجربتها ومصالحها الوطنية، وكل دولة أعلم بما يفيدها وكل شعب بما ينفعه!
وإذا كان حزب الله في الكويت يرى على العكس، ان كل المصالح متطابقة، وأن الأولوية هي الخضوع لاراء حزب الله ومصالح الثورة في ايران، مهما اضر ذلك بمصالح شيعة الكويت ودول الخليج، فعلينا جميعا ان ندرك هذا بصراحة ووضوح ونتحمل النتائج الكارثية لها.
واذا كان الامر عكس هذا، فعلى كل عقلاء الشيعة، وكل المرتابين والمترددين ان يحسموا الامر، ويوضحوا مواقفهم فقد استمر هذا الوضع ثلاثين سنة دون حسم! ولا زلنا نتكلم عن «بعض الشيعة» و«بعض المتعاطفين مع السياسات الخارجية» وبعض.. وبعض.. دون ان نعرف عمن نتحدث، ودون ان نعرف من المذنب ومن البريء.
شيعة اليوم يا سادة يا كرام، ليسوا كماً وكيفاً شيعة أعوام 1979ـ1978 عندما قامت الثورة الايرانية فلقد عايشوا هذه الثورة ورأوا تحولاتها وحالات مدها وجزرها وصراع المحافظين والاصلاحيين فيها، وطالعوا احصائيات الفقر والبطالة الرسمية المعلنة. وعايشوا تجربة الغزو عام 1990 والتحرير، والتلاحم الكبير بين الكويتيين جميعا بعد مرحلة من التوتر والشكوك في ظل الحرب العراقية الايرانية وفي التجربة نفسها اصطدموا بمواقف وسياسات القيادات الاسلامية والفلسطينية وتعلموا درسا لا ينسى في فضائل الاعتدال وعدم المزايدة في القضايا الاسلامية والقومية لان مصالح الكويت لا تتحمل وعاش الشيعة مع السنة تجربة نمو حزب الله في لبنان، وفرحوا بدوره في استعادة الارض اللبنانية عام 2000، وربما حتى دوره في بدايات حرب 2006 ولكن الى متى؟ وهل كتب على لبنان وعلى شيعة لبنان بالذات ان يقودوا ملياراً ونصف مليار مسلم في الحرب ضد الولايات المتحدة واسرائيل وقوى الاستكبار؟
شيعة الكويت وسنتها فتحوا بلادهم للقوات التي اسقطت طاغية العراق، فبدون هذا التدخل كان سيبقى كابوس نظامه جاثما على صدرنا الى الابد، ويتولى الحكم عدي ثم قصي ثم اولادهما! شيعة الكويت وسنتها فرحوا بسقوط النظام وقدوم القوى الدولية ولم يخافوا من الديموقراطية، فهي لا تهدد الكويت!
شيعة الكويت وسنتها لم يشعروا بالحزن لان النظام العراقي سيتغير، وتوازنات القوى ستتغير ولم يشعر بهذه المخاوف الا جماعات الاسلاميين الشيعة والسنة، لانها كذلك تتبنى حسابات غير كويتية او لديها مخاوف سياسية وحزبية وعقائدية.
ابناء وبنات الكويت جميعا، سنة وشيعة، في غنى تام عن مثل هذه السياسات التي يتبناها حزب الله والتي ظاهرها الوطنية والتدين والتعاطف مع فلسطين وباطنها الكثير من الاضرار بالمصالح والعلاقات الودية والسلم الاجتماعي.
شيعة الكويت بالذات، وبخاصة شبابهم رجالا ونساء، ممن سينزل حزب الله افدح الاضرار بمستقبلهم الوظيفي ومصالحهم على كل صعيد، لصالح بعض الساسة وبعض المنتفعين، مطالبون بان يتساءلوا عن مستقبلهم ومصالحهم في ظل افكار وممارسات تيار «حزب الله» وان يصارحوا شيعة الكويت وسنتها بذلك لكي يتبين «الخيط الابيض» من «الخيط الاسود»!
لنعد الان مرة اخرى الى ما جرى لشباب الشيعة الكويتيين، الذين راحوا ضحية لبعض سياسات تصدير الثورة، والصدام بين السياسة الايرانية والسياسة السعودية بعد الثورة وخلال الحرب العراقية ـ الايرانية وكل ما رافق تلك المرحلة من توتر في العلاقات ومظاهرات صاخبة من قبل الحجاج الايرانيين في مكة خلال موسم الحج. فقد حدث منذ عام 1991 تفاهم سعودي ـ إيراني، وتحسنت العلاقات بين البلدين وتبودلت الزيارات والسفارات، واختفت من مكة سياسة المظاهرات والتنديد بقوى «الاستكبار» التي توالت لعدة سنوات.
ولعلها كانت مناسبة يتساءل فيها اهل القتلى والضحايا: من تسبب في ضياع حياة أبنائهم ولماذا ولاي سبب؟ ولاي قضية؟ وما الضمان لان لا تخطئ نفس المجموعة الحزبية والفكرية في حق مواطنيهم واهل مذهبهم.. مرة اخرى؟
تأبين القائد العسكري لحزب الله اللبناني «عماد مغنية»، كان تكراراً لبعض هذه الاخطاء الفادحة.. وسوء التقدير.
وقد حاولت بعض الكتابات الكويتية الليبرالية والاسلامية الشيعية المتعاطفة، التهوين من حادثة التأبين، باجراء مقارنات بينها وبين حوادث ومناسبات اخرى، ومنها مقالات السيد خالد عبيسان المطيري، او السيد احمد الجارالله بعد اعدام صدام حسين، او حتى تصريحات بعض الاسلاميين من الاخوان والسلف تعاطفاً مع حزب الله في مناسبات مختلفة. وكل هذه الملاحظات اوراق جيدة ومفيدة في ملف القضية، ولكن يظل التأبين خطيئة سياسية قاتلة رغم كل شيء.
فقد أقيم «حفل التأبين» لشخص اقل ما يقال فيه انه مثار جدل وشكوك حول دوره في اختطاف طائرة كويتية وقتل مواطنين كويتيين، شخص لا يعرف حتى انصار حزب الله في الكويت ما دوره في الحزب وماذا كان يفعل على امتداد كل هذه السنوات في إيران وسورية ولبنان وربما افغانستان وباكستان وكل مكان. شخص لا يمثل اي مرجعية شيعية ولا اجماع على دوره الديني او الانساني او الفكري، شخص لا علاقة له من قريب او بعيد بشيعة الكويت، ومصالح اولاده وبناته في مختلف الاوساط السياسية والدوائر الحكومية والمؤسسات التجارية. شخص احاطه المؤبنون بهالة من القداسة رغم كل شيء، ورغم كل القيل والقال، ورغم كل الشهود والتأكيدات والاتهامات، شخص خاض المؤبنون تحت رايته معركة شرسة ضد من وقف في وجههم من الشيعة والسنة، ومن الاعلاميين والسياسيين، وضد المواطنين وارفع المسؤولين، دون اي مراعاة لمصالح ابناء وطنهم وحتى اتباع مذهبهم.
ثم ان هذا التأبين لم يقم في مؤسسة خاصة او منزل او مقر انتخابي او حتى خارج البلاد او دون بهرجة اعلامية وصور ومجاهرة ومفاخرة وربما معايرة لمن لم يشارك بل وفوق هذا، جرى التأبين في مؤسسة دينية لا يمتلك حزب الله حق الاساءة اليها وجرجرتها الى مصالحه السياسية والصاق رموزه الحزبية بها. فالجميع يحرص على ابعاد الحسينيات عن مثل هذه النشاطات الحزبية الضيقة التي لا تعبر عن اي مصلحة وطنية معلنة ومتفق عليها.
ثالث اركان خطيئة التأبين، انها جرت تحت اشراف اعضاء منتخبين لمجلس الامة الكويت. وهم لا يمثلون مؤيديهم من انصار «حزب الله الكويتي»، ولا الشيعة الذين يشكلون غالبية من انتخبهم، بل ويمثلون كذلك، مثل بقية اعضاء مجلس الامة الكويتي الافاضل، كل الشعب الكويتي من سنة وشيعة، ومن ابناء الحضر والقبائل، ذكورا واناثا،! فأين الوعي بالمسؤولية الدستورية؟.
ثم ان هؤلاء النواب المتزعمين حفل التأبين، وكما ذكرنا في مقال سابق، وصلوا الى مناصبهم عبر قنوات ديموقراطية دستورية علنية، فما الذي يربطهم بقائد العمليات العسكرية والنشاطات السرية لحزب الله اللبناني؟ وما مصلحة الشعب الكويتي والشيعة والسنة والقبائل في كل هذا الاحتفال والتأبين؟ وما الاضافة التي يضيفها مثل هذا التأبين الى الديموقراطية الكويتية، او يمكن اقتباسها من سيرة السيد عماد مغنية؟ وما علاقة الديموقراطية والدستور بحزب يؤمن بالعنف، ومتهم بنشاطات كثيرة وتفجيرات ضد اصدقاء الكويت والمدافعين عنها، بل وضد الكويت نفسها؟.
كيف يمكن لاعضاء برلمان مسالم ان يحتفي بشخص كهذا، الا اذا كان لا يرى بأسا في الارهاب كوسيلة عمل سياسية ضد العالم الخارجي؟.
واخيرا، اما كان الاجدر بهؤلاء المؤبنين ان يقيموا مثل هذا التأبين لشخصية ترمز الى الوحدة الوطنية، او التقارب المذهبي او بعض شهداء الكويت او حتى بعض علماء الشيعة الذين وقفوا في وجه نظام طاغية العراق المدحور؟.
ختاما، لا ينبغي لشيعة الكويت ان يكتفوا بحكم القضاء القادم في قضية التأبين. فعلينا جميعا الاقتناع بعدالته مهما كان، ولكن القضية للأسف لن تتوقف هنا، فلقد صدرت احكام في كل العالم العربي والاسلامي في قضايا الجماعات الاسلامية وفي قضايا الارهاب، ولكن مشاكل الجماعات والاحزاب الدينية ومحاولات الارهاب استمرت وقد تستمر.
ان قضية التأبين ينبغي ان تكون نقطة تحول في تاريخ شيعة الكويت.. فلا تدفنوا رؤوسكم في الرمال!.


 

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك