الأوقاف قدَّمت رؤيتها لمفهوم الحوار الحضاري
مقالات وأخبار أرشيفيةالاختلاف في المنظور القرآني يستدعي الحوار ويجعله ضرورة حضارية وواجباً دينياً
إبريل 26, 2012, 11:29 ص 1165 مشاهدات 0
قال وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الدكتور عادل عبد الله الفلاح إن التأصيل والتحليل والمراجعة تشكل الزوايا الثلاث الحاكمة للفكر الحي والمستنير، كما تقدِّم تلك الثلاثية الضمانات المنهجية لتجنب الأعطاب الفكرية والتصورية والعملية للمشاريع والخطط والبرامج.
وأوضح في الكلمة التي ألقاها خلال الملتقى الرابع لمشروع تنادي الحضارات تحت عنوان ' موقع الحوار الحضاري في بنية العقل المسلم ' الذي نظمته الوزارة في كل من جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا ومكتبة البابطين المركزية للشعر العربي يوم أول أمس الأربعاء إن وزارة الأوقاف في دولة الكويت، حين استقر في برامجها العملية وخطتها الإستراتيجية ضرورة الاشتغال بالحوار الحضاري، ودعوة الأطراف الإسلامية والغربية إلى تبادل الأفكار وتحليل الخلفيات الدينية والثقافية والتاريخية التي تعيق عمليات التعايش والتقارب والتفاهم ، إنما كانت تعلم أن هذه المشاريع ضخمة في طبيعتها ، متداخلة في التخطيط لها، وصعبة في تنزيلها على أرض الواقع، وقد تحتاج إلى أجيال قادمة حتى تؤتي أكلها بإذن ربها.
وأردف قائلاً: ومع ذلك، فلم تتردد الوزارة في توفير مختلف الشروط، وإتاحة العديد من الفرص من أجل تطوير العمل في ميدان الحوار الحضاري، مشيراً إلى أن ذلك تكلل بإنجاز العديد من المؤتمرات والندوات، لعل أهمها الملتقيات التي عقدت في إطار مشروع ' تنادي ' والتي أكملت دورتها الرابعة بهذا الملتقى الكريم.
وأفاد إنه من المنطقي أن تختتم الملتقيات السابقة بمراجعات شاملة لذلك الكم الهائل من الأفكار والرؤى والمشاريع التي عرضت في الملتقيات الأول والثاني والثالث، بحيث تصب هذه المراجعات في اتجاه اختبار عميق لمدى وضوح مفهوم الحوار الحضاري ، ومدى تفاعل العقل المسلم مع شروط هذا الحوار وآفاقه ، وكيفية السبيل إلى جعله غير متعارض مع مصالح المسلمين في العيش في ظلال حياة كريمة تقوم على العدل والمساواة والاحترام .
تغير موقف النخب
وتابع الفلاح إن مفهوم الحوار الحضاري من المفاهيم التي تتأثر بالمحيط العالمي ، وتتخذ دلالات بحسب التغيرات السياسية والاجتماعية ، وقد يتغير موقف النخب منه سلباً وإيجاباً وفق ما تعرفه الأحداث السياسية العالمية من مد وجزر، مستدركاً إن الفكر الإسلامي يعلمنا أن تكون المفاهيم مؤسسة على هدى من مقاصد الشريعة وهدايات القرآن ، وبالتالي، فإن الوحدة الإنسانية والمصير الإنساني المشترك، ومقصدية التعارف المنصوص عليها في القرآن الكريم من خلال قوله تعالى: ' يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا' ذلك كله يرشد العقل المسلم إلى أهمية الحوار الحضاري والسعي إلى تأصيله في البيئة الإسلامية، ومراجعة مختلف المفاهيم المشوشة في هذا السياق، مثل الربط بين الدعوة إلى الحوار الحضاري من جهة وإعطاء الدنية في الدين، أو التنازل عن الثوابت، أو ما شابه ذلك من جهة ثانية.
وزاد الفلاح إن الفرق بين هذا وذاك كبير، والمسلم قوي بأخوّته الإنسانية ، قوي بروح التعارف الإنساني التي يتلوها في كتاب الله الحكيم، وقوي بأن خصه الله بأخلاق الألفة والتأليف ومخالطة الناس والصبر على أذاهم، وقوي بأن أحلَّ الله في قلبه رحمته لينشرها في العالمين، مؤكداً إنه لا خوف على عقيدة المسلم وقيمه في ظل الحوار الحضاري، بل من المؤمَّل أن يكون الحوار الحضاري فرصة للتعريف بدينـه وقيمه.
وقال الفلاح في كلمته مخاطباً المفكرين والمثقفين المشاركين في الندوة : لأجل ذلك ، نلتقي في رحاب هذا الملتقى لتبادل الرأي في موضوع الحوار الحضاري، ومراجعة المفاهيم المتداولة حوله، والسعي إلى إبراز طبيعته ووظيفته وأهدافه، وتنقيته مما قد يعيق فهمه لدى النخب وعموم الناس، فضلاً عن الإجابة عن العديد من الأسئلة مثل: كيف يمكن الانطلاق من بعض القواعد الأصولية لإخراج مفهوم الحوار الحضاري من الوضعية التشكيكية إلى وضع جديد يكون فيه هذا الحوار واجباً شرعياً ومطلباً حضارياً؟ وكيف يمكن البحث في صياغة مقاصد معتبرة للحوار الحضاري في ضوء المصالح العليا للأمة؟
وقدَّم الفلاح شكره إلى كل من أسهم من قريب أو بعيد في إنجاح أعمال هذا الملتقى الواعد، خصوصاً العلماء والمفكرين الذين تجشموا عناء السفر، وأبوا إلا أن يشاركوا في تقديم وجهات نظرهم في الموضوع، والشكر موصول إلى إدارتي جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا ومكتبة البابطين المركزية للشعر العربي اللتين رحبتا في عقد هذا الملتقى في رحاب مؤسستيهما العامرتين ، كما شكر وسائل الإعلام التي تحرص على نقل أنشطة الوزارة وفعالياتها.
واختتم الفلاح كلمته بقوله : آمل أن تصدر عن هذا الملتقى توصيات ومشاريع عملية لتطوير الآليات والوسائل بغية النهوض بهذا الأمر الجليل.
تواصل الملتقيات
ومن جانبه ذكر الوكيل المساعد للتنسيق الفني والعلاقات الخارجية والحج الدكتور مطلق القراوي إنه لمن دواعي الغبطة والسرور أن ييسر الله لنا سبل اللقاء في هذه المناسبة الكريمة لتداول الفكر والنظر، والتأمل في موضوع حساس بالنظر إلى مجاله والأطراف المتصلة به، مشيراً إلى أنه لمؤشر إيجابي أن تتواصل هذه الملتقيات بشكل يؤكد أن مجرد تتابعها وتواصلها يعتبر نجاحاً في حد ذاته.
وتابع: لا يمكن للمرء أن يضيف شيئاً بين يدي هذه النخبة من العلماء والمفكرين، فمن المؤكد أنهم يحملون لنا أطروحات ومفاهيم ورؤى كفيلة بأن تعمق النظر في مفاهيم الحوار الحضاري وأهدافه، ومراجعة الحصيلة النظرية والعملية المتحققة منذ الإعلان عن أهميته والانخراط في إنجاز محطات مهمة منه داخل دولة الكويت وخارجها، من خلال العديد من المؤتمرات والندوات الهادفة إلى تحسيس العقل المسلم والدوائر العربية والغربية بأهمية الحوار الحضاري في تجسير الهوة والخلاف بين مختلف الأطراف الفاعلة في الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي العالمي، وتقليص فرص التوتر والصراع والإقصاء وذلك قياماً بواجب ديني وحضاري جعلته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت ركيزة أساسية في خطتها الإستراتيجية وعملها الإسلامي الداخلي والخارجي على حد سواء.
وأكد إن ما يعطي أهمية قصوى لموضوع ملتقانا أن واقع الحوار الحضاري اليوم يتأرجح ما بين التقدم والتراجع، ولا يزال، إلى اليوم، محط سجال بين النخب الثقافية والسياسية، ولم يندمج في صلب الاهتمام العام من خلال المقررات والمناهج الدراسية على اختلاف مستوياتها، ووسائل الإعلام المختلفة، ولم يلق حظه من العناية في مخرجات القوانين والإدارة والفن والسينما. وهو ما يستدعي مزيد من الاهتمام بالموضوع، وتقديم مراجعات دقيقة وشاملة لواقع هذا المفهوم نظرياً وعملياً، وهو ما ستسعى هذه الندوة إلى أن تنجزه في مداخلات هذا الملتقى.
ودعا إلى التذكير بأن الوزارة قدَّمت رؤيتها لموضوع الحوار الحضاري، استناداً إلى النصوص الشرعية الحاكمة التي تؤكد روح الوحدة الإنسانية مثل قوله تعالى:'الذي خلقكم من نفس واحدة'، وقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم:'إنما أنتم من آدم ، وآدم من تراب'، ومن خلال التأكيد على أن من مقومات عقيدة المسلم وجوب الإيمان بجميع الأنبياء والرسل، ناهيك عن الآيات المبينة لمقاصد تنوع الخلق واختلافهم مثل قوله تعالى:' يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا '.
واستدرك القراوي إن المشكل يكمن في تفعيل المفهوم ، والتقدم به ليكون مقصداً من مقاصد العمران الإنساني، وخاصية من خصائص الاجتماع البشري مع اختلاف الأديان والأفكار والمصالح.
وأضاف إنه بالاستناد إلى دور وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت ورسالتها التوجيهية والدعوية، فإنها جعلت من ضمن أولويات عملها أن تفرد حيزاً من برامجها وأنشطتها لتفعيل مفهوم الحوار الحضاري، وتحديد العلاقة المتوازنة بين المصالح الذاتية للأمم وبين انخراطها في مسيرة التعايش والتقارب والتفاهم والاحترام المتبادل، والتأكيد على أن أي حوار لا يعني بالضرورة التخلي عن الثوابت والخصوصيات، وإنما هو تقوية لها من خلال البرهنة على أن أهمية العالم وقيمته وجماليته إنما تتجلى في الحفاظ على هذا التنوع الإنساني في الفكر والثقافة والاجتماع والإنجاز الحضاري، وأن الاختلاف، في المنظور القرآني، يستدعي الحوار ويجعله ضرورة حضارية وواجبا دينيا.
وتمنى القراوي أن تكون هناك ملتقيات مستقبلية تعالج قضايا عملية تجعل الرؤى والأحلام واقعاً يعاش في مختلف البيئات.
كما قدم شكره لإدارتي جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا ومكتبة البابطين للشعر المركزية للشعر العربي اللتين تكرمتا باحتضان أشغال الملتقى، والشكر موصول إلى العلماء الذين سيثرون الحوار بسديد آرائهم وعميق نظراتهم، كما شكر الجمهور الذي يحرص على مواكبة أنشطة الوزارة.
يذكر أنه شارك في الملتقى، الذي أقيم لمدة يوم واحد على فترتين صباحية ومسائية، كل من المشرف العام لمشروع النهضة في قطر الخبير الاستراتيجي د. جاسم السلطان، وكذلك أستاذ التعليم العالي في جامعة محمد الأول في المغرب د.مصطفى المرابط، ومدير المركز الإسلامي والحوار مع الأديان في ولاية سان دييغو في الولايات المتحدة د.طه حسان، إضافة إلى الأستاذ خليل حيدر المتخصص في قضايا الفكر والحركات من الكويت، ويدير حوار الملتقى الإعلامي في قناة العربية الإخبارية عادل عيدان.
تعليقات