صناع الحدث

زاوية الكتاب

كتب 1351 مشاهدات 0


كثيرا ما نذكر عندما نتحاور عن إصلاح أو حدث كبير في البلد بقولنا ( هم – وما يخلّونا – وما يبونك تفعل– وهم يردين هكذا..) طيب من هم ! وما صفاتهم ! وأعدادهم ! .وأظن أننا نحن من نريدهم أن يكونوا موجودين ونريد أن نكون مظلومين ونهوّن على أنفسنا بأن هناك أشخاص يسيطرون على الأمور ولا يمكننا فعل شيء وبالتالي نتحلطم وننقد فقط وهو أسهل ما يمكن فعله . تعالوا نتعرف عليهم عن قرب ونوضح أهم صفات (هم) من خلال قراءاتي وخبرتي القصيرة في الحياة وجدت أن الناس في ما يدور حولهم من أحداث ينقسمون إلى أربعة أقسام : المخططون (سواء للخير أو للشر) الذين يعلمون كيف يستقطبون المنفذين أو يحتووهم سواء بالمال أو الجاه أو غيرهما وهذا القسم هم الأقل عددا والأكثر تأثيرا وقد يكون هناك مخططين ولكنهم لا يعرفون كيف يستقطبون منفذين فتأثيرهم أقل وعدم استقطابهم لاتباع ومنفذين أيضا أمر يتعلق أولا بالنية وثانيا بالخلق وأسلوب التعامل وقصر اليد أحيانا وسأوضح ذلك في ختام المقال  ، والقسم الثاني وهم مرتبطون بالقسم الأول سواء علموا أم لم يعلموا وهم : المنفذون وعددهم طبعا أكثر من الأول .والقسم الثالث : هم من يتعامل مع الحدث سلبا أو إيجابا ، أقصد بردة فعل إما استحانا أو استهجانا وهؤلاء اكثر بالطبع من القسمين الأولين ويطلقون على أنفسهم احيانا المصلحون ، فمن لفظ المصلح نجد أنه لم ينشأ أمرا جديدا ولكنه يحاول تغيير أمر حدث أصلا . ( ملاحظة مهمة : حتى من يحارب الخير ويفسد أغلبهم يظنون أنهم مصلحون كما قال تعالى في البقرة : <<ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون>> ). طبعا نحن لا نذم المصلح بالخير فهو مطلوب وبدونهم تهلك الأمم . ولكن هم بلا شك أقل تأثيرا في الحدث من القسم الأول والثاني ، والمصلح الحقّ من جهة نظري لا ينتظر الأحداث تحدث من حوله وهو فقط ينكر واحدة تلو الأخرى ولو نظرنا لوجدنا الأمر بالمعروف يتقدم على النهي عن المنكر بكلّ الآيات في كتاب ربّنا عز وجل ، وما التخطيط للخير مع وضع آليات التنفيذ إلا أعلى مراتب الأمر بالمعروف من وجهة نظري . والقسم الأخير وهو السواد الأعظم من البشر : المتفرجون ومن لا يبالي ولا يحرك ساكنا ، وغالبا ما يستغرب هؤلاء ممن قبلهم وسبب تفاعلهم مع الحدث كما ذكر ربنا عزّ وجل في الأعراف ( لم تعظون قوما الله مهلكهم ) وهذا القسم الكبير من البشر لا يعلم حقيقة ما يدور حوله إلا في محيط حياته الخاصة وإن علم يتندر بالأحداث في مجالسه أحيانا وقد يتحسر أحيانا  ، ولكنه  سرعان ما يحاول نسيان ما يكدّر صفو حياته ويعود لدائرته الضيقة الخاصة . فلا خير فيهم وزبد يدفن جفاءً . وسبحان الحليم على الجميع الصبورالخالق الحسيب المقيت ربنا وسيدنا ومولانا . هذا ما استطعت إيجازه في هذه التقسيمة الرباعية وإليكم عدد من الشواهد القرآنية على ما ذكرت : المخططون القادرون على استقطاب المنفذين ومن يليهم هما الأكثر تأثيرا والأقل عددا ، قال تعالى :(( وكان في المدينة تسعة رهطٍ يفسدون في الأرض ولا يصلحون )) تسعة فقط أحدثوا تغييرا طبعا سلبيا ولكنه تغيير في مدينة كاملة وهي ثمود القوم الأقوياء الأشداء الذين جابوا الصخر بالواد ، تسعة فقط مع قاتل الناقة وبالمناسبة هم أقربائه جلبوا لها الدمار، والأمثلة في هذا الصنف كثيرة ، هذا في التخطيط السلبي أما الإيجابي وهو الاكثر تأثيرا وقوة وطاقة  لأنه مع صفاء النية يحصل على التأييد الرباني وتتنزّل البركات وهي ما لا تخضع لقوانين الحسابات البشرية ، وأول شاهد على قوة التأثير الإيجابي : إبراهيم الأمّة عليه الصلاة والسلام وقصصه وجهاده طوال حياته والتغيير الأممي الذي أحدثه فاستحق أن نتبع ملته الحنفية السمحاء بهدي نبينا عليه الصلاة والسلام . وإن يقل قائل إنه نبي مؤيد أقول الـتأييد لا يكون فقط للأنبياء فالتأييد يكون لكل من أراد الخير العام لا الخاص فقط بتجرد وصفاء نية وعزيمة وتخطيط سليم ، والغلام الذي خطط  بل ونفذ حتى آمن الناس بربّ الغلام  ، كان واحدا ولم يكن نبيا على الأشهر وعلا شأنه على الراهب بل والجميع . وأقرب من ذاك الزمان زمن صحب النبي عليه الصلاة والسلام وما كانوا يقومون به من أفعال في بداية الدعوة يعجز عنها آلاف الدعاة  اليوم . يخرج أبو بكر الصديق داعيا في مكة أول البعثة ويرجع بستة من العشرة المبشرين بالجنة ، وبعد ذلك يستغرب المستشرقين من حديث لو وضع أبو بكر بكفة والأمة بكفة لرجحت كفة أبو بكر ، لذا هؤلاء الصحابة الكرام القلة في أعدادهم الجبال في هممهم بدءوا بعشرات وانتهوا بأمة لم يُترك فيها بيت شذر ولا مذر إلا ودخل فيها الإسلام بعزّ عزيز أو بذُل ذليل .ولم يكن اختيارهم صحبة لنبينا عليه الصلاة والسلام  عشوائيا فقد اطلع الله على قلوب العباد واختار أصفاها لنبيه وطبعا هم من القسم الأول الذي فصّلت فيه صنّاع الحدث بالنية الصافية أولا وبالتخطيط السليم ثانيا وبالتوكل على الله ثالثا ، أيضا استقطاب النبي عليه الصلاة والسلام لهم وتيسير الله عز وجل لذلك لم يكن صدفة فكلّ شيء خُلق بقدر ، فلو لم يكن النبي يستحقهم حوله لما  حدث له ، أقصد أن الحديث السابق يذكر أن الله اطلع أولا على قلوب العباد فاختار منها قلب محمد عليه الصلاة والسلام ، فغيره لم يكن مؤهل لهذه المسؤولية والمهمة العالمية ،ثم لأنه بهذه الصفات والخلق العظيم استحق أيضا أتباع وصحابة من هذا الطراز الأول رضوان الله عليهم ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) وهو درسا يجب ان يستفيد منه دعاة اليوم ممن يشتكون من قلة الأتباع والمؤيدين ، فصفات محمد عليه الصلاة والسلام وأخلاقه الجمة أحد أهم أسباب الاستقطاب واستحقاقه لصحبه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم وجمعنا وإياهم  . وعودة لتقسيماتنا الأربع أقول انظر نفسك واعرف في أي الأقسام انت أو أنتِ ، وليس من العيب أن تكتشف  أنك في القسم الرابع مثلا فمجرد اكتشافك لذلك بداية طيبة ، ولكن عليك أيضا أن تسعى للانتقال للأعلى أو على الأقل تعي ما يحدث حولك جيدا . فهو يسّهل عليك الكثير من التعب والجهد وإضاعة الأوقات فلا تعش بعد اليوم  هملا زبدا يذهب جفاء بعد آخر نفس ويُنسى بعد ثالث أيام عزاه  . كما علينا ان نسعى دوما لرفع مستوى الوعي بتوسيع المدارك أولا والابتعاد عن التفكير السطحي وأن لا تكون حياتنا ردود أفعال .والسلام .

يحيى الدخيل

كتب: يحيى الدخيل

تعليقات

اكتب تعليقك