حِكْمَة جُحــا .. في لجنة البدون

زاوية الكتاب

كتب 6094 مشاهدات 0

جميل السبع

يحكى أنّ لـِ جُحا جاراً دائِم الشّكوى ودائماً يشتكي من ضيق داره فطلب منه الناس التّوجه الى ' جحا ' علّ وعسى يكون الحل على يديه وبالفعل توّجه الجارُ إلى ' جُحا ' وشكى له الحال وضيق الدّار فأشار عليه ' جُحا ' :
أن يشتري مجموعة من الدّجاج وَيضعها في الدّار !!
فقال الجار إنه يشكو الضيق فكيف يضع الدجاج في الدار فقال له ' جحا ' إفعل ما قلت ففعل الجار ذلك .
وبعدها أتى الجار مرّة أخرى يشتكي ضيق الدار
فطلب ' جحا ' منه مرّة أخرى أن يشتري خِرافا ويضعها في الدار و قَبِلَ الجار على مُضُض و اشترى الخِراف و ذهب بها إلى المنزل وجاء في اليوم التالي يشتكي الضيق بشكل أكبر
فطلب منه ' جحا ' أن يشتري بَقَرَتَيْن ويضعهما في الدار وأيضاً وافق الجار على الطلب بعد إمتعاض و تردّد .
و في اليوم الأخير أتى الرجل إلى ' جحا ' يشتكي ضيق الدار و أنّه لم يعد يستطيع التحمل والعيش فيها لإزدياد الضائقة عليه
فطلب منه ' جحا ' أن يبيع كل الحيوانات التي في منزله و أن يأتيه في اليوم التالي
وبالفعل قام الرجل ببيع كل شيء وأتى ' جحا ' شاكراً له فقد أحسَّ بِوِسْعِ داره و رحابتها و أنّها بدت كالقصر .

وهذه الحِكْمة ' الجُحــاوِيّة ' بالضبط هي ما تمارسه لجنة البدون بضغطها عليهم حيث حرمتهم تدريجياً من حقوقهم بِدءاً بالتعليم ثم إثبات الهوية و الصحة و التوظيف حتى في القطاع الخاص و حُريّة التَّنَقُل .. إلخ ، وكل هذا التضييق الخانق لتجعل فِكْر البدون يَنْزَوي بطموحاته عن حقوقه المسلوبة و أن يكون أبلغ تلك الطموحات في استخراج شهادة الوفاة لفقيدهم الذي لا يستطيعون إثْبات مَوْته و رحيله عن دنيا إشتكى منها الظُّلم الواقع عليه طوال حياته و هم لم يرحموا آلام وأحزان أهل الفقيد و أحبّائه بل زادوا عليهم الآلام بحيث لا يستطعيون إثبات مأساتِهِم بسبب ورقة حرموا منها لكي لا يمتلك البدون أيّ مُسْتَنَد رسمي وإن كان لميّت .
و قبل عامٍ من الآن صَرّحت تلك اللجنة ' بِوهَبْ ' البدون ( ١١ ) ميزة منها التعليم و الصحّة و استخراج الجوازات و الميلاديّات .. إلخ .. ' و هنا تَحَقَقّت حكمة جُحــا للبدون ' و هذا بالإضافة إلى كونه عارٍ عن الصحّة و كَذِباً إلاّ أنّه ضَحِكٌ على ذقون المجتمع الكويتي لأنّ تلك الحقوق هي أساساً مُسْتَحَقّة للبدون الذين تكفلها لهم القوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان و عديمي الجنسية  و قد سُلِبَتْ من البدون و لا مِنّةَ أو فضلٍ للجنة أو شخصٍ يَتَشَدّق بها أمام وسائل الإعلام ولا أقول المَحلّي بل الإعلام الخارجي محاولاً خداع المنظمات العالمية الخاصة بحقوق الإنسان و عديمي الجنسية .
و لعلّي أزيدكم من المأساةِ أَلَـمَاً فتلك الحقوق المزعومة لا يستطيع الحصول عليها إلاّ فِئة تُمّثل أقلّ القليل من البدون لأنّها مُرْتبطة بصلاحيّة ' البطاقة الخضراء ' التي هي الآن بمثابة صَكّ غفران لهم و يَحِقّ لحاملها فقط دخول عالم الإنسانية من شُبّاكِها و ليس بابها لأنّه عليه أن يترك كرامته عند عَتَبَتِه و ذلك بعد أن تَتَمَتّع اللجنة بِذُلّهِ للحصول عليها من خلال القُيود الأمنيّة المُزَوّرة و التي لا يستطيع ذلك الجهاز العاطل عن العمل إثْباتها و هي مُجَرّد أوهام يوهِمونَ بها الشارع و لا حقيقة لها على أرض الواقع .
و أنّ ما يُثْبِت صِحّة ما قلته هو القرار الذي صدر مُؤخّراً و الذي يَنُصّ مُحتواه ' لن يتم إعادة قَيْد أو تسجيل أيٍّ من أبناء البدون في المدارس إلاّ فقط من لديه شهادة ميلاد و لن يُعْتَدّ ببلاغ الولادة كما كان سابِقاً ' .


بدونيّات :
للعلم إذا تمّ فعلاً تطبيق هذا القرار فإنّ ما يُقارب ٨٠٪ من أطفال البدون سيقبعون في منازلهم المهتَرئة أو سينتشرون في الشوارع لبيع ' الخُضرة و الرّقي ' و ذلك لإنهم لا يحملون شهادات الميلاد تلك و هو ما سيُسبّب أزمة تعليمية ستزيد من نسبة الأُمِيّة في صفوف البدون .

و يبدو أنّ من إتّخذ هذا القرار نَسِيَ أنّ المستفيد الأوّل من عمليّة تعليم البدون هم التجار و هم سبب مآسيهم و معاناتهم و بالتالي سيقفِون لأول مرة في صف أطفال البدون ليس لإحقاق الحق بل إتمام الصفقة مع لجنة البدون .

جميل السبع

الآن- رأي: جميل السبع

تعليقات

اكتب تعليقك