واقعنا برأي د. يعقوب الشراح لا يدعو للتفاؤل

زاوية الكتاب

كتب 2105 مشاهدات 0


الراي

صدى الكلمة  /  دولة مدنية أم دينية!

د. يعقوب أحمد الشراح

 

عكست نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة رغبة الناس في وضع حد لجرائم الفساد بعد أن تفشت بشكل لافت وأدت إلى معاناة الدولة من أوضاع مزرية نالت مختلف جوانب الحياة. صحيح أن الفساد لا يأتي من فراغ فهناك أسباب كثيرة لكن صعود وتيرته يعني أن الأسباب مستمرة ومتجددة، خصوصا ان المجلس التشريعي المنحل كان له دور في انتشار الظاهرة وفي وقت لم تكن للقوى الإسلامية أي أثر في البرلمان المنحل أو الحكومة تجاه تفاقم الفساد ومساهمة بعض أعضاء المجلس فيه. فالتيار الإسلامي ظل بعيداً مراقباً لما يجري من أحداث على الساحة السياسية التي اتسمت بالاحتقان والانفلات والتكسب. وأمام ضجر الناس من حالة الفساد اندفعت الغالبية نحو التكتل والتجمع من اجل انتخاب أعضاء أكثر نزاهة ونظافة في انتخاب المجلس النيابي الحالي ليس كردة فعل للتصرفات المشينة لبعض النواب السابقين، وإنما بهدف إيجاد حلول للخروج من الأزمات في المستقبل.
إن الباحث في الشأن السياسي يلاحظ أن التيار الإسلامي لعب دوراً فاعلاً في إعادة ترتيب صفوفه وتعويض الخسارة التي لحقت به في انتخابات المجلس النيابي المنحل من خلال التركيز على تعرية الواقع المزري ودور الآخرين فيه. فالدعوة للتصدي للفساد بتحريك الناس ودفعهم للتغيير لم تأتِ من فراغ، فقد تم التأكيد على خيار القبول بالأوضاع الجديدة لأنه المخرج الطبيعي من عنق الزجاجة والبديل السهل لمعالجة مشكلات الفساد المتفشية والتي تتطلب حزمة من الإجراءات الفاعلة. ومن أهم هذه الحزمة الإجرائية سرعة انجاز الهيئة العامة لمكافحة للفساد، وإدخال تشريعات مكملة لتفعيل القانون في محاربة الفساد، خصوصا قانون الذمة المالية، ومن أين لك هذا؟

كثيرون يجادلون أن الدولة ما زالت تنعم بالثروة ولابد من الاستفادة من فائض الإيرادات السنوية من دون إدراك أن هذه الثروة تشكل مكوناً اقتصادياً محدوداً، خصوصا أن النفط ناضب، والمال الذي يستنزف في صور مختلفة يزيد من الاستهلاك المفرط والهدر الدائم للمال العام. كما أن صراع القوى السياسية على الإيرادات المالية وآلية استخداماتها لا يعني بالضرورة قبول مختلف أطياف المجتمع بما هو حاصل من هدر لهذه الإيرادات الضائعة، فليس هناك تفويض شعبي لأي سلطة في السعي لهدر الموارد والإيرادات أو استخدامها بطريقة غير مدروسة أمام استمرارية صراع القوى السياسية على السلطة والتعامل السيئ مع المال العام.

واقع كهذا لا يدعو إلى التفاؤل في مجتمع صغير بسكانه وجغرافيته ومحدودية موارده واعتماده على مورد واحد موقت. وما يحزن أكثر أن يغيب التفكير المنطقي تجاه التعامل الأمثل مع المعطيات فيشتد الصراع ويحتدم بين القوى السياسية التي في كثير من الأحيان تغلب مصالحها على أشياء أخرى، وتخلط السياسة بالأيديولوجيات والتوجهات، وحتى المعتقدات لم تسلم من الهجوم والتطاول، فلقد اختلطت الأمور على نحو أصبحنا نتحدث اليوم عن دولة مدنية وأخرى دينية رغم أن كثيرين في عالمنا العربي والإسلامي لا يتفقون على تجزئة مفهوم الدولة كمؤسسة مدنية ودينية تسيرها الأحكام الدستورية والقيم العامة. فليست هناك حياة ناجحة لدولة مدنية دون أن تتزاوج بالدولة الدينية، والعكس أيضا صحيح. أي أن التوافق بين النظامين، المدني والديني، أساس لبقاء الدولة وتطورها في ظروف يجب أن تتوافق وتنسجم مع تاريخ وموروثات وخصائص المجتمع، فالخروج من العباءة الدينية والمدنية يعني الدخول في نفق مظلم وضياع أبدي، كما أن لبس عباءة غير مناسبة يعتقد أنها الأنسب لحياة مختلفة لها طبيعتها وخصائصها التاريخية ليس هو الحل العقلاني أو الطريق لتجنب الصراعات والخلافات التي تقود عادة إلى الضياع.
علينا أن نقر بأن الحياة لن تستقر وتتطور ما دمنا نريد تقليد المجتمعات الأخرى أو نستورد قيماً ونظماً من البيئات التي عاشت ظروفاً مختلفة واتسمت بخصائص تميزها عن غيرها، فما يناسبهم لا يناسبنا والعكس أيضا صحيح.

إن مفهوم الدولة المدنية في عالمنا العربي والإسلامي متضمن في الدين وتشريعاته وتعاليمه، فالحياة العامة للدولة لا تسير خارج المصدر الأساسي للدين الذي يشكل مظلة واقية تمنع الناس من الفساد وعدم العدالة وإهانة البشر أمام انفلات العلمانية اللا دينية المتوغلة في المجتمعات. 

الراى

تعليقات

اكتب تعليقك