العقبات التي تواجه الاخوان المسلمين بعد وصولهم للسلطة كما يراها بن طفلة
زاوية الكتابكتب مارس 31, 2012, 11:36 ص 5665 مشاهدات 0
'الإخوان':مطلوب المصداقية وأكثر
د. سعد بن طفلة العجمي
يبدو أن 'الإخوان المسلمون' هم القوة القادمة التي ستهيمن على السلطة في الدول التي عمتها الثورات، وبالتالي فسيصبحون هم القوة المؤثرة في مجريات الأحداث في المنطقة في العقود القادمة، صحيح أن 'الإخوان' لم يكونوا وراء الثورات الشعبية، ولم يحركوها أو يقودوها ناهيك عن أنهم لم يشعلوها، ولكنهم كانوا الأكثر جاهزية للقفز في قمرة قيادتها والسيطرة عليها، وسواء أعجبنا ذلك أم لا، فقد كانوا القوة الأكثر تنظيماً والأكثر تمويلًا، وربما الأكثر قبولاً عند الغرب بين الحركات الدينية الإسلامية والأكثر قدرة على التفاهم مع أميركا وهو تفاهم بدأ منذ سنين وراء أبواب مغلقة. وللإنصاف فإن قيادات وكوادر إخوانية بالآلاف دخلت سجون الديكتاتوريات العربية وقدمت الكثير من التضحيات في معارضتها لهذه الأنظمة، ولكنها لم تكن وقود ثورات 'الربيع العربي' بل كانوا حاصدي زرعه وقاطفي ثماره.
الخطاب الإخواني هذه الأيام، وتحديداً منذ انتصار الثورات العربية، هو خطاب مدني مغرق في مدنيته ويكرر إعلان قبوله للآخر والتعددية السياسية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة. مشكلة 'الإخوان' أن القوى الأخرى -مدنية كانت أو دينية- لا تثق بهم ولا تصدقهم، فهم أصحاب تاريخ حافل بالكذب السياسي، وبالمراوغة السياسية والأمثلة على ذلك تحتاج لكتب وليس إلى مقالة، ولكن هذا ليس مشكلة في حد ذاته، ففي السياسة: 'السياسي الناجح، هو الكذاب الجيد' كما يقولون، ولكن أهم مشاكلهم القادمة ستكون كالتالي:
ورث 'الإخوان المسلمون' في تونس ومصر تركة ثقيلة من الفساد والتخلف والأزمات المالية والاقتصادية التي لن تحلها شعارات دينية تدغدغ مشاعر الناس لكنها 'ما توكل خبز'، وبالتالي فقد يكون من سوء حظهم الوصول للسلطة في هذه المرحلة بالذات، فإرث الأزمة الاقتصادية أعقد من أن تحله الفتاوى والوعظ، فالخطابات شيء، والتعامل مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المتخلف والمعقد شيء آخر، وسيبدأ بريق 'الإخوان' في الأفول كنتيجة حتمية لمن يصل إلى السلطة، فالنجومية السياسية في المعارضة وليست في السلطة.
كما سيواجه 'الإخوان' عقبة الخطاب السلفي الأكثر تشدداً، وهو ما سيسبب لهم حرجاً شديداً في التعامل مع الواقع: إن هم سايروا السلف، جروهم للتشدد والغلو، وشوهوا صورتهم العالمية التي يحاولون رسمها جاهدين، وإن هم واجهوهم فقدوا مصداقيتهم وشعارهم الديني. ولقد كان أذان أحد السلفيين في قاعة البرلمان المصري ومحاولة رئيس البرلمان الإخواني -الكتاتني- إسكاته صورة مصغرة لما هو أشد من القادم بين الطرفين مستقبلاً. سيحرج السلفيون 'الإخوان'، وسيكشفون ميكيافيليتهم التي عرفوا بها، وسيكونون هدفاً لفضح تناقضاتهم ومحاولتهم التوفيق بين الدين والسياسة -أو قل استخدام الدين لأغراض السياسة، وقد تصبح المواجهة مكشوفة بين الفريقين، وخصوصاً بعد أن يتخلص الفريقان من 'العلمانيين والملاحدة والكفرة والتغريبيين والليبراليين واليساريين'، ويتفرغان لبعضهما بعضاً.
والمشكلة الأخرى التي سيواجهها 'الإخوان المسلمون' تكمن في التناقضات الداخلية للتنظيم نفسه، فـ'الإخوان المسلمون' ليسوا لوناً واحداً، بل هم أجنحة متضاربة المصالح: فبينهم قوى لها مصالح اقتصادية ومالية هائلة، ولها ارتباطاتها العالمية بمؤسسات مالية واقتصادية دولية، وستصطدم حتماً بأطراف معدمة من داخل التنظيم تجد نفسها دفعت أثماناً باهظة لسلطة صادرها أصحاب المال. وهناك جناح متدين ومتشدد داخل التنظيم، مخدوع بالشعارات، وموهوم بالمثاليات، وهو جناح سيواجه جناحاً براجماتيّاً استخدم الدين مطية للوصول إلى السلطة وحسب.
'الإخوان المسلمون' أمام أمرين لا ثالث لهما: إما المدنية التي تتطلب إعلان التخلي عن أدبياتهم المناقضة للمدنية -تعاليم البنا وقطب، وقبول الآخر وتداول السلطة سلميّاً وضمان الحريات العامة وعندها ستقف معهم كل القوى المدنية ويصطدمون بالسلفية، وإما التحول شيئاً فشئياً لدولة دينية تلغي الآخر وتنشئ ديكتاتورية دينية. الثاني هو الأقرب، وعندها ستعود الثورة من جديد.
تعليقات