تنقيح المادة 79 يجعلنا دولة دينية سلطتها غير منتخبة.. الديين محذراً

زاوية الكتاب

كتب 829 مشاهدات 0


عالم اليوم

الالتفاف على تنقيح المادة الثانية!

أحمد الديين

 

لم يكن عبثا تشريعيا غير ذي معنى عندما فرّق الآباء المؤسسون للدولة الكويتية الحديثة من أعضاء المجلس التأسيسي في العام 1962 بين كون الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع وفقا لما قررته المادة الثانية من الدستور، وبين ما جاء تحديدا في المادة 18 من أنّ “الميراث حقّ تحكمه الشريعة الإسلامية”... فالشريعة الإسلامية هي مصدر رئيسي لتشريع القوانين وليس ثانويا يستمد منه المشرّع أحكامه في مختلف المجالات، أما في مجال المواريث وحده فإنّ الشريعة هي المصدر الوحيد، وليست مصدرا رئيسيا أو المصدر الرئيسي لأي تشريع ينظمها.

وكان المشرّع الدستوري واضحا في أمرين، أولهما توجيهه المشرّع العادي وجّهة إسلامية أساسية وفق ما جاء في المذكرة التفسيرية للدستور، إذ حمّله أمانة الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية ما وسعه ذلك... وثانيهما عدم منع المشرّع العادي “من استحداث أحكام من مصادر أخرى في أمور لم يضع الفقه الإسلامي حكما لها، أو يكون من المستحسن تطوير الأحكام في شأنها تماشيا مع ضرورات التطور الطبيعي على مر الزمن”.

ومنذ العام 1973 جرت محاولات متكررة لتنقيح المادة الثانية من الدستور بحيث تصبح الشريعة الإسلامية مصدر التشريع، أو مصدره الوحيد، أو الرئيسي، ولم يُكتب النجاح لأيٍّ من تلك المحاولات، ذلك أنّ تنقيح هذه المادة أو سواها من مواد التنقيح يتطلّب توافق إرادة الغالبية النيابية ضمن شروط محددة مع إرادة الأمير، وبالتالي فإنّه ما لم تلتق الإرادتان لا يمكن تنقيح أي مادة من مواد الدستور... وأمام عدم القدرة على تمرير تنقيح المادة الثانية من الدستور اتجه اهتمام النواب الإسلاميين في السنوات الأخيرة وتجددت محاولتهم في المجلس الحالي نحو تنقيح المادة 79 بما يحقق الهدف ذاته من اقتراحهم، حيث تنص هذه المادة على أنّه “لا يصدر قانون إلا إذا أقرّه مجلس الأمة وصدّق عليه الأمير”، فيما يدعو مقترحو تنقيحها إلى إضافة عبارة تقضي بشرط إما عدم تعارض القانون أو توافقه مع أحكام الشريعة الإسلامية... وبذلك لا تعود الشريعة مصدرا رئيسيا للتشريع، مثلما هي الآن، وإنما تصبح المصدر الرئيسي بل الوحيد للتشريع!

ولعلّ أول خلل سيترتب على تنقيح المادة 79 على هذا النحو المقترح هو تضاربهابعد تنقيحها مع المادة الثانية، إذ سيشترط أن تكون التشريعات متوافقة أو غير متعارضة مع أحكام الشريعة الإسلامية؛ بينما الشريعة هي مصدر رئيسي وليست المصدر الوحيد للتشريع... وبذلك ستكون هناك ثلاثة مستويات دستورية متفاوتة للتعامل مع الشريعة الإسلامية عند تشريع القوانين: المستوى الأول هو تطبيقها المباشر على أحكام المواريث وفق المادة 18 من الدستور، والمستوى الآخر هو توافق أو عدم تعارض القوانين معها في المادة 79 بعد التنقيح المقترح، والمستوى الثالث هو كون الشريعة مصدرا رئيسيا وليس وحيدا للتشريع وفق المادة الثانية بنصّها الحالي!

ومن جانب آخر، فإنّ التنقيح المقترح للمادة 79 سيفرض بالضرورة تمكين سلطة من تحديد ما إذا كان هذا القانون المقترح أو ذاك متوافقا مع أحكام الشريعة الإسلامية أو متعارضا معها، وهذه السلطة المستحدثة ستكون في الغالب سلطة دينية غير منتخبة، وذلك على تعارض مع الطبيعة المدنية للدولة الكويتية الحديثة؛ ومع مبادئ النظام الديمقراطي الذي تكون فيه الأمة هي مصدر السلطات جميعا ولا سلطة دينية غير منتخبة فوق سلطة الأمة.

وغير ذلك، فإنّ الدستور واضح في فرضه حظرا مطلقا في المادة 175 بعدم تنقيح الأحكام الخاصة بمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في الدستور إلا نحو المزيد من ضمانات الحرية والمساواة... وهناك خشية جدّيّة لها ما يبررها بعد تنقيح المادة 79 من أن يتم المساس بمبدأ المساواة بين الناس وعدم التمييز بينهم بسبب الدين، وفقا لما قررته المادة 29 من الدستور، فقد سبق أن تمّ مثل هذا التمييز في فرض شرط الدين لاكتساب الجنسية الكويتية، وهناك أيضا خوف مشروع من خطورة المساس بمبادئ الحرية؛ وأهمها الحرية الشخصية المكفولة وفقا للمادة 30 من الدستور، وهي حرية مطلقة لا يجوز تنظيمها بقوانين، بينما هناك الآن دعوات صريحة لتقييدها والوصاية عليها بدءا من اقتراح ما يسمى “قانون الحشمة” وصولا إلى اقتراح إلزام النساء بالتحجّب بقوة القانون، وكذلك هناك التخوّف من المساس بحرية الاعتقاد، التي هي حرية مطلقة وفقا للمادة 35 من الدستور، ناهيك عن الخشية المبررة من أن يؤدي تنقيح المادة 79 إلى أن تقيّد القوانين في المستقبل الحريات الديمقراطية العامة تحت ذريعة التوافق أو عدم التعارض مع أحكام الشريعة!

باختصار، فإنّ اقتراح تنقيح المادة 79 من الدستور لا يعدو كونه التفافا متذاكيا على الرفض المتكرر لتنقيح المادة الثانية، وهو في حال إقراره سيمثّل خطوة في اتجاه إلغاء الطابع المدني للدولة الكويتية الحديثة وتحويلها إلى دولة دينية ستكون السيادة فيها لسلطة دينية غير منتخبة تقرر شرعية القوانين وعدم شرعيتها!

 

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك