الخليج و روسيا والصين و خياراتها الاستراتيجية

عربي و دولي

3378 مشاهدات 0

هل يستطيع التنين والدب منع الاسد من السقوط ؟

كانت الحرب الباردة هي عصر القضايا الدولية العابرة للحدود بعنف. وقد خسرها الشيوعيون لضيق الإطار التحليلي الذي تبنوه في تعاملهم مع تلك القضايا. ومن ذلك ان الكويت فشلت في الانضمام للآمم المتحدة منذ استقلالها في 19 يونيو 1961 م  حتى 14 مايو 1963م نتيجة استخدام الاتحاد السوفيتي حق النقض ' الفيتو' ، الذي  اعتبر أن استقلال الكويت مؤامرة إمبريالية . وفي الازمة السورية الراهنة نجد أن التفكير الصيني الروسي ' Sino-Russian' لايزال حبيس نفس  الإطار التحليلي الذي تبناه اجدادهم البلاشفة والماويين  قبل ستين عاما. لذا استخدمت روسيا والصين الفيتو لعرقلة صدور قرار في مجلس الامن يندد باعمال العنف هناك. كما نجد الخليجيين في الازمة نفسها وجها لوجه مع هذا الموقف المشين من موسكو وبكين .

لقد وصفت دول مجلس التعاون على لسان الأمير سعود الفيصل الصين وروسيا  'بالذين  أظهروا دعمهم للمبادرة العربية، ثم استهانوا بدماء الشعب السوري، وما لبثوا أن عوقوا الجهود التي بذلت لأجل وضع حد لعمليات القتل اليومي .'كما تلقى وزير خارجية روسيا تقريع مماثل من رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني.

ونعلم ان الروس والصينيين يخشون من تحول المشرق العربي الى امتداد لحلف شمال الاطلسي، وفي ذلك مؤشر على استمرار اعراض قصور الاطار التحليلي  لدى صانع القرار هناك، فالواقع يقول ان الخليج العربي  اصلا هو امتداد لحلف الناتو ضمن مبادرة اسطنبول منذ 2004م وما القواعد والتسهيلات العسكرية الاميركية والبريطانية والفرنسية التي ترصع الساحل الخليجي إلا ختم الثقة بجدوى التعاون الخليجي الغربي لحفظ أمن الخليج العربي . ويعود الموقف الصيني المناهض لتطلعات الشعوب العربية من القضية السورية الى اسباب استراتيجية بعيدة عن الشرق الاوسط ،وتدخل في نفس الاطار المستخدم من قبل الروس ، فالموقف الصيني لايعدو عن كونة مناكفة للولايات المتحدة الاميركية التي ترى بكين انها تدس انفها في نزاعات بحر الصين ، حيث وقعت اتفاقيات مثيرة لقلق بكين مع دول على ذلك البحر ، وزاد الطين بلة التواجد العسكري الاميركي الاخير في استراليا . أما  اسباب الفيتو الروسي  فمنها ان نظام الاسد هو حليف موسكو الاوحد  في المنطقة ، بالاضافة الى ان  حصولها على القاعدة الروسية الوحيدة في المنطقة .كما تخشى مستقبل العلاقات الروسية السورية في حال وصول الاسلاميين الى الحكم .وترجمت القرار على انه سيكون خطوة لدخول قوات الناتو لدمشق .كما صدر القرار في زمن تطلب من فلاديمير بوتن إظهار قوته داخليا وخارجيا حتى ينجح في الانتخابات. لكن اهم اسباب تمسك موسكو بدمشق وهو نفسه مفتاح دخول الخليجيين للكرملين ،الشراكة الاقتصادية بين موسكو ودمشق . فقد وقعت موسكو ودمشق عقد تسلح بقيمة 4 مليار دولار ، ففي 2011م فقط حصلت دمشق على  اسلحة بقيمة 700 مليون دولار ، كما وافقت موسكو في ذلك العام على بيع 36  طائرة مقاتلة  بقيمة 550 مليون دولار. من جهة اخرى تبلغ قيمة  الاستثمارات الروسية في سوريا 20 مليون دولار منها مشروع غاز تديره شركات روسية .

ولايبدوا ان اخلاقيات العالم المتحضر  في حق حماية المدنيين  تهز شعرة  واحدة في ظهر الدب الروسي او التنين الصيني ،ولضبط اتزان تقرب هذين الوحشين من الازمة السورية بما يخدم امن الخليج  يجب إدراك  ان اكبر الأبواب ضخامة له مفاتيح صغيرة.وبما أن بقاء  سوريا  كأحد اقواس الدفاع عن أمن الخليج - وليس كثغرة ايرانية- هو هدف استراتيجي خليجي ملح لذا يجب البحث  عن مفاتيح صغيرة  لنكيف موقف موسكو وبكين مع استراتيجيتنا . من تلك المفاتيح الصغيرة  التبادل التجاري بين روسيا والخليج والتي قدرت بـ 400 مليون دولار في عام 1999 ثم  2 مليار  دولار في عام  2008 ،لتصل الى  6 مليار دولار كما قال الكسندر براتياكوف المستشار التجاري في سفارة روسيا بالامارات، ولعل الخطوة الاولى لتحريك المفتاح الاقتصادي احياء المنتدى الاقتصادي لرجال الاعمال الروس، او مجلس الأعمال الروسي العربي  الذي يأتي تحت مظلته 14 مجلس ثنائي روسي عربي ،كان آخرها المجلس الروسي القطري  حيث وطد الغاز العلاقات الخليجية الروسية

ومع التحول الدرامي في  آليات بناء العلاقات الدولية مؤخرا وظهورالقوة الناعمة كقوة ضغط  فاعلة، نلتفت الى المفتاح الصغير الثاني حين  نتذكر مزاج حكومة طهران عندما  كدره قبل عام  تركيز هيئة الاذاعة البريطانية لبرامجها الموجهة لايران، مما جعل حكومة نجاد تستهدف عائلات الصحافيين الإيرانيين العاملين في  بي بي سي الفارسية .  ولن تلتفت  بكين وموسكو الى قدرات دول الخليج الناعمة لتحقيق اهدافها الاستراتيجية المتمثلة في جوار اقليمي آمن عبر اسقاط حليف طهران في دمشق الا حين تجد ان آلة الاعلام الخليجية التي أسقطت أربعة انظمة فاسدة، قادرة على  مخاطبة الشارع في  اقليم  شينجيانغ  ' Xinjiang'  ذو الاغلبية المسلمة في الصين بلغتهم .و في اقليم الشيشان'Chechnya' ، فلازال فتية خليجيون يضعون صور المقاتل الخليجي سامر السويلم المعروف باسم 'خطاب' في منتدياتهم، الى جانب صور القائد الشيشاني شامل باساييف، مما يظهر  ان روح التضامن مع الشيشان لا زالت حية خليجيا .

لقد أدى ضيق الإطار التحليلي الذي تبنته موسكو  لمجمل قضايا المنطقة أن مكاسبها البخسة  نظير استقلال الكويت انحصرت  في الستينيات بافتتاح سفارة لها وسفارات لدول الكتلة الشرقية ،حيث  كانت جل اعمال  سفارات بولندا وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا هي إصدار فيزا لسياحة المراهقين من شبابنا الباحثين عن اللهو الرخيص في السبعينيات ، في حين  قفزت الكويت في القارب الرأسمالي وكانت احد قلاع الاسترليني  القوية. فهل يهز احد  في الخليج تلك المفاتيح الصغيرة فقد تسمع موسكو وبكين رنينها!

د. ظافر محمد العجمي –المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك