الأنموذج الصيني يفقد كل بريقه ..بقلم ليفن زهانغ
الاقتصاد الآنمارس 20, 2012, 5:42 م 708 مشاهدات 0
عاد العالم يركز أنظاره على الصين مجددا، لكن هذه المرة ليس لمحاولة فهم اقتصاد البلاد فحسب، بل قوس حركتها السياسية وما إذا كانت عقودها الثلاثة من الإصلاح يمكن أن تخرج عن الخط.
وما من أحد لديه تجربة في مراقبة الجلسات السنوية للجهاز التشريعي في بكين، الذي اعتاد ''وضع بصمته'' دون اعتراض، كان يتوقع أن تنتهي الجلسات الأخيرة بتلك الصورة الدرامية، المتمثلة في الانفجار الذي أحدثه رئيس الوزراء المنتهية فترته، وين جياباو، حين حذر من أن ثورة ثقافية يمكن أن تحدث مرة أخرى في الصين، ما لم تشهد البلاد إصلاحا سياسيا – والإقالة التي تمت بالأمس لبو كسيلاي، السياسي الإقليمي المغرد خارج السرب.
كشف وين عن الصدع الذي تعانيه القيادة الصينية فيما يتعلق بالكيفية التي ستتطور بها البلاد. وأحدثت تعليقاته أصداء في العالم الخارجي حول خصائص ما يسمى ''الأنموذج الصيني'' الذي يقوم على مزج السياسة بدور متزايد للدولة في الأسواق والشؤون الاقتصادية.
هذا الأنموذج صدقية في الغرب خلال السنوات الأخيرة، بفضل الأزمات التي تعصف الاقتصادات الغربية. وينظر إلى الأنموذج الصيني الذي يمكن وصفه بـ ''الرأسمالية الاستبدادية''، أو ''الاشتراكية بخصائص صينية''، باعتباره بديلا كفئا للإدارة الرشيدة. ورغم ذلك، السؤال الرئيس هو ما إذا كان هو الخيار الأفضل للصين. والإجابة هي لا.
ففي المقام الأول، جاء بروز الصين قوة اقتصادية نتيجة مباشرة لتبنيها الأسواق الحرة والعولمة، وربما يمثل ذلك أكبر اختبار لرأسمالية السوق على مدى التاريخ. وبالتالي يجب ألا تغطي الحالة السيئة للغاية للأوضاع الاقتصادية والمالية في الغرب في أيامنا هذه حقيقة أن الرأسمالية غيرت الصين.
وعلى الرغم من أن الزعماء الغربيين ينظرون إلى ''الأنموذج الصيني'' على أنه منافس مرعب – تماما مثلما أبدوا يوما إعجابهم بتحويل جوزيف ستالين للاقتصاد السوفياتي – فإن نظراءهم الصينيين يدركون صعوبات حكم الصين. وفي جلساتهم الخاصة يمكن أن يكون الزعماء الصينيون نزيهين بشكل مثير للإعجاب ومنتقدين شديدين للوضع. إنهم واعون بالفعل لعيوب النظام وما الذي يمكن أن يحدث إذا انهارت غرفة السيطرة.
ومن المؤكد أن الأنموذج الصيني لديه ميزات، كتأسيس الشركات الوطنية البارزة، وإنشاء البنى التحتية، والاستجابة السريعة للكوارث الطبيعية والتراجعات الاقتصادية. لكنه يخفق حين يتعلق الأمر بالمساءلة، والشفافية، والتمثيل الشعبي، وحكم القانون. ويعتقد كثير من المراقبين أن الصين أصبحت بالفعل أكثر استبداداً. ولهذا السبب تواجه الآن فساداً كبيرا للغاية، وسعياً للحصول على الريع، ودلالاً لجماعات معينة، ومحاباة للمقربين في الحصول على الوظائف، وغياباً للعدالة، وانعداماً للمساواة، وعدم استقرار اجتماعي.
سبق لي أن سألت في إحدى المرات مستشاراً للزعماء الصينيين عما إذا كان هناك أي شيء يمكن لبكين أن تتعلمه من الديمقراطية على الطراز الغربي. همهم بعد فترة من الصمت بكلمة واحدة: ''التصويت''. ويبدو أن إجماعا يظهر بهدوء داخل المؤسسة السياسية الصينية مفاده أن الصين ستضطر، عاجلا أو آجلا، إلى إجراء عملية طويلة ومؤلمة لإضفاء الطابع الديمقراطي ومعالجة مسألة شرعية الحزب بصورة نهائية.
لكن الاضطرابات العالمية الأخيرة هزت ثقة بكين في النظام المالي الغربي، الأمر الذي جعلها أكثر تكتماً وأكثر توجهاً إلى الداخل.
في أيام حكم دنغ هيسياو بنغ، تم توظيف قوى السوق لتفكيك التخطيط الاقتصادي المركزي، ما أوجد طبقة من المستهلكين وخفف القيود الاجتماعية والسياسية. وعانت السوق خلال السنوات الأخيرة نكسة تبعث على الخوف، في الوقت الذي تتقدم فيه الدولة والمؤسسات التابعة لها. وبصورة متزايدة، أصبحت للشركات الوطنية البارزة اليد العليا على الشركات المحلية المملوكة للقطاع الخاص فيما يتعلق بالبحث عن رأس المال، والاستثمار، والمنافسة العادلة، والحماية القانونية.
إن الفترة السابقة لتغيير القيادة الصينية التي ترحل في أواخر هذا العام ستكون، كما كانت دائماً، فترة توتر سياسي. وبينما يولّد الأنموذج الصيني على الدوام مزيدا من الثروات الأكبر، ويرسخ بالتالي سلطة الحكومة المركزية، فإن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: هل يمكن أن تكون هذه السلطة عرضة للمساءلة؟
إن مخاوفي هي أنه حين تتقلص حرية الأسواق، فإن ذلك سيصيب الحريات السياسية والاجتماعية التي تأتي معها. والأنموذج الصيني لديه سجل ضعيف في هذا الخصوص. صحيح أن رأسمالية السوق تعيش حالة من الجزر الشديد، لكنها تظل الخيار الأفضل للتطور السياسي الصيني المتدرج ومن مصلحة الصين أن تتصالح مع الرأسمالية الليبرالية. وأمامها الآن خيارات ضئيلة إذا كانت تريد أن تحوِّل نفسها إلى مجتمع أكثر عدلا، وأوسع حرية، وأكثر استقراراً اجتماعياً.
يعرف الزعماء الصينيون تماماً كل المشاكل عميقة الجذور التي تؤثر على النظام برمته، لكنهم لا يعرفون كيفية إصلاحها دون أن تفلت السلطة من قبضتهم. إن عزاءهم الوحيد هو أن بإمكانهم تحمل الانتظار لفترة لا بأس بها، بينما يعيش الغرب حالة من الفوضى.
تعليقات