إختتام فعاليات مؤتمر ( الوسطية .. رؤية إيجابية )

محليات وبرلمان

1388 مشاهدات 0

جانب من المؤتمر

اختتمت جمعية إحياء التراث الإسلامي فعاليات مؤتمر ( الوسطية .. رؤية إيجابية )  والذي أقامته على مدى يومين متتاليين تحت رعاية معالي المستشار/راشد عبدالمحسن الحماد – نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون القانونية ووزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية .
وفي البداية حاضر الشيخ/ د. عبدالله شاكر (مصر) ، وكانت بعنوان : (الوسطية والغلو والتطرف) : بدأها بتعريف معنى الوسطية في اصطلاح الشرع موضحاً بأنها استعملت بمعنى العدالة والخيرية والتوسط بين الإفراط والتفريط، أما معنى الغلو لغة فهو الارتفاع ومجاوزة الحد ، ومعناه في الشرع – كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تعريفه 'مجاوزة الحد بأن يزاد في حمد الشيء أو ذمه على ما يستحق، ونحو ذلك'.
كما عرف الشيخ المحاضر (التطرف) في اللغة ، فقال : تدور هذه الكلمة حول معنيين : الأول: حد الشيء ، والثاني: الحركة في بعض الأعضاء ، والذي يهمنا هنا هو المعنى الأول، وهو حد الشيء وحرفه ، والمراد به منتهى الشيء وغايته.
بعد ذلك تحدث المحاضر حول وسطية هذه الأمة بين الأمم السابقة ، فقال : لقد اصطفى الله هذه الأمة من بين سائر الأمم، وذلك لفضلها وخيريتها ، وتوسطها بين طرفي الإفراط والتفريط، فمن حيث وسطيتها في توحيد الله وصفاته : فهي وسط بين اليهود والنصارى، فاليهود اتخذوا الأنداد لله وعبدوا الأصنام من دونه، وكان هذا متأصلاً فيهم ، كما تطاولوا على الذات العليا وشبهوا الله -تبارك وتعالى-  بخلقه ، ووصفوه بما لا يليق به سبحانه .
وأما النصارى فقد انحرفوا في هذا الباب وضلوا ضلالًا بعيدًا ؛ وذلك أنهم ألهوا المسيح – عليه السلام - وجعلوه شريكًا لله، ووصفوه بأخص صفات الربوبية والألوهية .
وتظهر وسطية الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده في هذا الباب بتوحيدهم لرب الأرض والسماء، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، وأنه سبحانه منزه عن اتخاذ الأنداد، والصاحبة والأولاد .
أما وسطيتها في أنبياء الله ورسله ، فإن هذه الأمة توسطت في أنبياء الله ورسله بين اليهود الذين فرقوا بين الله ورسله ، وآمنوا ببعضهم وكفروا بالبعض الآخر ، وبين النصارى الذين ذهبوا إلى النقيض المعاكس لهؤلاء فغلوا في نبي الله عيسى ورفعوه فوق المكانة التي جعله الله فيها ؛ حتى قالوا فيه بأنه إله ، وتوسطت أمة الوسطية بين هؤلاء وهؤلاء فآمنوا بجميع أنبياء الله ورسله ، واعتقدوا أنهم صفوة الله من خلقه ؛ ولذلك أحبوا نبيهم ونصروه وعزروه ولم ينتقصوه .
بعد ذلك تحدث الشيخ شاكر حول وسطية أهل السنة في مسائل الإيمان والكفر ، حيث أوضح بأن مظاهر الغلو كثيرة ومتشعبة وتوجد بكثرة في الفرق المخالفة المباينة لمنهج الحق كالفرق الباطنية والخوارج وغيرهم ، وفي العصر الحاضر نبتت نابتة تركز غلو الخوارج، وتكفر الأفراد والمجتمعات بلا ضوابط ، حتى أصبحنا نشاهد آثار ذلك بين الحين والآخر ، من تفجير هنا أو هناك ، أو خروج على الدول والحكومات .
فالإيمان عند الخوارج : اعتقاد القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح، وقالوا: إن الإيمان كل لا يتجزأ ولا يتبعض ، وهو العمل بكل مأمور ، وترك كل محظور، والذنوب لا تجامع الإيمان؛ ولهذا سلبوا الإيمان عن أصحاب الكبائر، وحكموا بخروجهم من الإيمان إلى الكفر، وأنهم خالدون في نار جهنم .
أما قول المعتزلة في الإيمان هو قول الخوارج ، غير أنهم قالوا : إن مرتكب الكبيرة لا يخرج من مسمى الإيمان إلى الكفر ، ولكن إلى منزلة بينهما وحكمه في الآخرة الخلود في النار ، وقد ذكر القاضي عبد الجبار ذلك وهو من أئمة المعتزلة .
أما مفهوم الإيمان عند المرجئة ، فإن الأصل الذي يجمعها بمختلف طوائفها : هو إخراج الأعمال عن مسمى الإيمان ، وقد غلت طائفة منهم فذهبوا إلى أن إيمان الناس كلهم سواء، وأن الإيمان هو المعرفة بالله؛ وعليه فمرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ، ولا يضره ما ارتكب من الذنوب والعصيان، وقالوا عبارتهم المشهورة: 'لا تضر مع الإيمان معصية ، كما لا تنفع مع الكفر طاعة' .
أما بالنسبة لمفهوم الإيمان عند أهل السنة والجماعة ، فهو اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان ، يزيد بطاعة الرحمن وينقص بطاعة الشيطان ، ويلاحظ أنهم يرون أن الأعمال جزء من مسمى الإيمان ، إلا أنهم لا يرون في ارتكاب الكبائر ما يخرج المرء من الإيمان سوى الشرك بالله تعالى ؛ ولهذا قالوا في مرتكب الكبيرة بأنه مؤمن عاصٍ ، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ، وأن حكمه في الآخرة- إن مات ولم يتب- أنه داخل تحت مشيئة الله تعالى ، إن شاء غفر له وأدخله الجنة ، وإن شاء عذبه بقدر ذنبه ، ثم أخرجه منها ؛ لأنه لا يخلد في النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، وهم بهذا توسطوا بين الخوارج الذين أخرجوا مرتكب الكبيرة من الإيمان ، وبين المرجئة القائلين بأن الإيمان لا تضره المعاصي والآثام .
بعد ذلك ذكر الشيخ/ د. عبدالله شاكر  بعض موانع وشروط إطلاق الأحكام على العباد ، فقال : من الموانع  الجهل، وعدم بلوغ الخطاب الشرعي ، وقد استدل أهل السنة على أن الجهل عذر ، ويمنع لحوق الوعيد بصاحبه بقصة الرجل الذي أوصى بنيه عند وفاته بحرقه ؛ ظنا منه أن الله لا يقدر على إعادته إن فعلوا به ذلك ، والحديث في الصحيحين.
كذلك الخطأ : فمن رحمة الله – تعالى- بعباده العفو والتجاوز عن المخطئين ، وقد قررت أصول الشريعة ذلك ، وعدَّه العلماء مانعا من لحوق الوعيد، والأدلة على ذلك كثيرة ، كما في حديث الرجل الذي أيس من راحلته بعد أن أضلها وعليها طعامه وشرابه، أنه قال بعد أن وجدها : «اللهم أنت عبدي وأنا ربك»، وعقب النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «أخطأ من شدة الفرح» .
أما شروط إجراء الأحكام ، فهي : التحقق من انتفاء الموانع ، والتثبت من الفعل والقصد ، كذلك  قيام الحجة على وجهها الصحيح.
تحدث بعد ذلك المحاضر حول مجالات الغلو في السلوك الفردي والإجتماعي مثل : التشديد على النفس الذي يتنافى مع يسر الإسلام وسماحته ؛ لأن التكليف في الإسلام على قدر الوسع والطاقة ، كذلك تحريم الطيبات .
أما  مجالات الغلو في السلوك الاجتماعي ، فإن من أبرزها الخروج على الحكام والدعوة إليه ، والتي تعتبر من القضايا التي كثر الحديث عنها في العصر الحاضر ؛ وذلك بسبب كثرة الخارجين ودعاة التكفير، فالإسلام حرَّم الخروج على الحاكم المسلم المرتكب للمعاصي والآثام، إلا إذا أتى بكفر صريح بيِّنٍ واضح، وقد وردت نصوص كثيرة بذلك ؛ منها ما رواه عبادة بن الصامت –رضي الله عنه- قال: 'بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، أو أثرة علينا وألَّا ننازع الأمر أهله ، إلا أن تروا كفَرا بواحًا عندكم من الله فيه برهان' وقد حرم الحديث الخروج على الحكام، وبيَّن أن الذي يبرر الخروج عليهم هو الكفر الواضح الصريح الذي لا يحتمل التأويل ، ومما هو معلوم ومشاهد أن الخروج على أئمة الجور مفاسده أكثر من مصالحه، يقول ابن تيمية: (لعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان ، إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته) ، وقال ابن القيم: 'نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قتال الأمراء ، والخروج على الأئمة –وإن ظلموا أو جاروا – ما أقاموا الصلاة سدًّا لذريعة الفساد العظيم والشر الكثير بقتالهم كما هو الواقع، فإنه حصل بسبب قتالهم والخروج عليهم أضعاف ما هم عليه، والأمة في بقايا تلك الشرور إلى الآن'. ومن مفاسد الدعوة إلى الخروج على الحكام اليوم وتكفيرهم ، ما نسمع ونشاهده في بعض البلاد من الاغتيالات والتفجيرات ، وكل ذلك من بلايا الغلو ومفاسده . تطرق المحاضر بعد ذلك حول تحريم التعليم ، والصلاة في المساجد ، فقال : دعا الإسلام إلى العلم والحث عليه ، والعلوم تنقسم إلى قسمين : علوم شرعية بها تزكو النفوس ، وتهذب الأخلاق، وتصلح العقائد ، وعلوم دنيوية ولكنها محمودة كعلم الطب وغيره من العلوم النافعة، والإسلام اعتبر هذه العلوم من ضروب الكفايات، ولكن الغلو أوقع بعض الناس في تحريم هذه العلوم ؛ ولذلك رأينا بعض الشباب خرج من الجامعات، وترك دراسته على أنها من الأمور المحرمة ، وهذا باطل .
وفي المحاضرة الثانية ألقى د. بسام الشطي محاضرة بالنيابة عن الشيخ/ د. عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر (السعودية) حول (الوسطية في العقيدة ) والذي لم يحضر المؤتمر لظروف خارجة عن الارادة ، وقد  أوضح في بحثه المقدم الى أن وسطية أهل السنة في الاعتقاد في عدة أمور ، من أهمها ما يلي : وسطيتهم في باب أسماء الله وصفاته : فأهل السنة وسط في باب الأسماء والصفات بين أهل مقالتين باطلتين ، مقالة من عطل الصفات وفي مقدمتهم الجهمية ، ومقالة من يشبه الله تعالى بصفات المخلوقين كما هو طريق الممثلة ، فالتعطيل باطل لأنه جحد ونفي لما أثبته الله لنفسه من صفات الكمال ، والتشبيه باطل لأنه تمثيل لله بالمخلوقات .
أما أهل السنة فلم ينفوا الأسماء والصفات عن الله تعالى ، ولم يشبهوا الله بالمخلوقات ، فمنهجهم قائم على إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل ، على حد قوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }، فسلموا من الآفتين ، ومضوا في سواء السبيل .
أما في باب القدر ، فإن إن أهل السنة وسط بين الجبرية الذين يزعمون أن العبد ليس له مشيئة ، وأنه مجبور على فعله ليس له فيه مشيئة ولا اختيار ، فهو – عندهم – كالورقة في مهب الريح ، وإنما تنسب الأعمال إليه مجازاً وإلا فالفاعل الحقيقي هو الله تعالى ، وبين القدرية الذين لا يؤمنون بقدرة الله الشاملة ومشيئته النافذة ، ويقولون : إن أفعال العباد ليست داخلة تحت القضاء والقدر ، فالله عندهم لا يقدّر على العباد أفعالهم ، وليست لمشيئته تعلق بها ، فلا يهدي الله ضالاً ولا يضل مهتدياً ، وإنما العباد هم المحدثون لأفعالهم الخالقون لها .
أما أهل السنة فتوسطوا في هذا الباب بين هذين الباطلين ، حيث يعتقدون أن للعبد مشيئةً واختياراً ، وأنه الفاعل الحقيقي لأفعاله ، وأن مشيئته تحت مشيئة الله تعالى ، كما قال تعالى : { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } ، فالوسط قول أهل السنة الذين يثبتون للعبد المشيئة ، ويجعلونها تحت مشيئة الله تعالى .
وفي باب الوعد والوعيد أوضح الشيخ عبدالرزاق البدر بأن أهل السنة والجماعة وسط في باب الوعد والوعيد بين المرجئة والوعيدية من الخوارج وغيرهم ، فالمرجئة أعملوا نصوص الوعد وأهملوا نصوص الوعيد ، والوعيدية أعملوا نصوص الوعيد وأهملوا نصوص الوعد ، أما أهل السنة فوسط بين هؤلاء وهؤلاء فأعملوا نصوص الوعد والوعيد ، فلم يهملوا الوعيد إهمال المرجئة ، ولم يهملوا الوعد إهمال الوعيدية ، بل جمعوا بينهما ، وتعبدوا الله بهما ، وهذا هو منهج القرآن ، ترغيب وترهيب ، رجاء وخوف ، جنة ونار .
كما أوضح المحاضر بأن أهل السنة وسط في هذا باب الأسماء والصفات بين الحرورية الخوارج والمعتزلة الذين يسلبون اسم الإيمان عن مرتكب الكبيرة ، فيسمّيه الخوارج كافرا ، ويجعله المعتزلة في منزلة بين المنزلتين ، أما في الآخرة فاتفق الفريقان على أن من مات على كبيرة لم يتب منها أنه مخلد في النار ؛ وبين المرجئة الجهمية الذين يقولون إن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ، وارتكاب الكبائر لا يؤثر في الإيمان . أما أهل السنة فتوسطوا حيث قالوا : مرتكب الكبيرة دون الشرك مؤمن ناقص الإيمان ، فلا يعطى الاسم على الإطلاق ، ولا يسلبه على الإطلاق ، هذا من حيث الاسم ، أما حكمه في الآخرة فهو تحت مشيئة الله ، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه على قدر ذنبه ، ثم أخرجه من النار فلا يخلد فيها .
يقول شيخ الإسلام عن أهل السنة في ذلك : وهم في باب الأسماء والأحكام والوعد والوعيد وسط بين الوعيدية الذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلدين في النار ويخرجونهم من الإيمان بالكلية ويكذبون بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وبين المرجئة الذين يقولون إيمان الفسّاق مثل إيمان الأنبياء والأعمال الصالحة ليست من الدين والإيمان ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية .
فيؤمن أهل السنة والجماعة بأن فسّاق المسلمين معهم بعض الإيمان وأصله وليس معهم جميع الإيمان والواجب الذي يستوجبون به الجنة وأنهم لا يخلدون في النار بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان أو مثقال خردلة من إيمان وأن النبي ادّخر شفاعته لأهل الكبائر من أمته .
تحدث الشيخ المحاضر بعد ذلك حول وسطية أهل السنة والجماعة في باب الصحابة ، فقال : من مظاهر الوسطية عندهم توسطهم في الصحابة عليهم رضوان الله بين الخوارج النّواصب الذين كفروا عليا رضي الله عنه وطائفة كبيرة من الصحابة واستحلوا دماءهم ، وبين الباطنية الذين غلوا في علي وأهل بيته حتى فضّلوه على أبي بكر وعمر .
أما أهل السنة والجماعة فمنهجهم عدل ووسط مع الصحابة ، فلم يكفروا أحدا منهم أو يتبرءوا منهم ، بل أنزلوهم منازلهم التي يستحقونها فأحبوهم ووالوهم ودعوا لهم ، وترضوا عنهم ولم يقعوا في أحد منهم أو ينتقصوه ، ويعتقدون أنهم خير الناس بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ولم يغلوا في علي أو غيره ، أو يعتقدوا العصمة لأحد من الصحابة .
ومن مظاهر الوسطية في عقيدة أهل السنة والجماعة كذلك وسطيتهم في الجمع بين التوكل على الله وبين الأخذ بالأسباب معاً، على وفق قوله صلى الله عليه وسلم ' احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله '  فقوله ' احرص على ما ينفعك ' أمر بكل سبب ديني ودنيوي ، بل أمر بالجدِّ والاجتهاد فيه نيّـةً وهـمّةً وفعلاً وتدبيراً . وقوله : ' واستعن بالله ' أمر بالإيمان بالقضاء والقدر والتوكل على الله في جلب المنافع ودفع المضار ، فهم يعتقدون أن التوكل لا بدّ فيه من الجمع بين الأمرين : فعل السبب ، و الاعتماد على المسبّب وهو الله ، فمن عطل السبب وزعم أنه متوكل فهو في الحقيقة متواكل مغرور مخدوع ، وفعله هذا ما هو إلا عجز وتضييع وتفريط ؛ ومن قام بالسبب ناظرا إليه ، معتمدا عليه ، غافلا عن المسبب معرضا عنه فعمله هذا عجز وخذلان ، ونهايته ضياع وحرمان . ومن مظاهر وسطية أهل السنة في الاعتقاد أيضا وسطيتهم بين الفِرَق في الجمع بين المحبة والخوف والرجاء ، فلم يغلوا في واحد منها على حساب الأخرى ؛ بخلاف من سواهم من المبتدعة ، فالخوارج غلّبوا جانب الخوف حتى كفّروا أصحاب الكبائر ، والمرجئة غلّبوا جانب الرجاء حتى أقدموا على فعل الكبائر ، والصوفية غلّبوا جانب المحبة حتى تزندقوا وقالوا بالحلول والاتحاد . أما أهل السنة فقد عبدوا الله تعالى بالجمع بين هذه الثلاثة بالحب والخوف والرجاء .
وفي الفترة المسائية تم تنظيم محاضرتين أيضاً بدأها الشيخ/ د. محمد المهدي (اليمن) بمحاضرة تحت عنوان : (الدعوة الى وحدة الأديان وتقاربها في ميزان الوسطية) ، فقال : بعد أن ظهرت عدة دعوات مشبوهة في فترات سابقة قويت في الربع الأخير من القرن الرابع عشر هجري ، وفي ظل ' النظام العالمي الجديد ' : جهرت اليهود ، والنصارى ، بالدعوة إلى التجمع الديني بينهم ، وبين المسلمين ، وبعبارة أخرى : ' التوحيد بين الموسوية ، والعيسوية ، والمحمدية ' باسم : ' الدعوة إلى التقريب بين الأديان '. ' التقارب بين الأديان ' ، ثم باسم : ' نبذ التعصب الديني '، ثم باسم : ' الإخاء الديني ' . وهنا مع إيماننا ببطلان الدعوة إلى ما يسمى بوحدة الأديان بمفهوم الغربيين ، فلا بد من ذكر ما اتفقت عليه الشرائع من الأصول وإن اختلفت في فروع تشريعاتها ليكون الحكم بعد ذلك سهلاً ، وكذا الحوار مع أهل الكتاب ، وليظهر لنا هل هؤلاء الكتابيون مع هذه الثوابت والأصول ؟ أم ينسفونها نسفاً ؟! . تحدث المحاضر بعد ذلك حول الأصول التي اتفقت عليها دعوة الرسل ، والتي كان منها الأصل الأول , وهو (إثبات التوحيد) ، حيث بين بأن جميع الأنبياء ثبت أنهم ' كانوا يقاتلون من عبد الأصنام ، ويستحلون دماءهم ، وبالجملة فكتب الله عز وجل بأسرها ، ورسله جميعاً متفقون على التوحيد والدعوة إليه ، ونفي الشرك بجميع أقسامه .
أما الأصل الثاني ، وهو (إثبات المعاد) ، فإن هذا أمر اتفقت عليه الشرائع ، ونطقت به كتب الله ـ عز وجل ـ سابقها ، ولاحقها ، وتطابقت عليه الرسل أولهم وآخرهم ، ولم يخالف فيه أحد منهم ، وهكذا اتفق على ذلك أتباع جميع الأنبياء من أهل الملل ، ولم يُسمع عن أحد منهم مَن أنكر ذلك قط .
أما ( إثبات النبوات) ، فإن الأنبياء ـ عليهم السلام ـ على كثرة عددهم ، واختلاف أعمارهم ، وتباين أنسابهم ، وتباعد مساكنهم قد اتفقوا جميعاً على الدعوة إلى الله عز وجل وصار الآخر منهم يُقرُّ بنبوّة من تقدمه ، وبصحة ما جاء به .
وأوضح الشيخ المهدي بأن أهل الكتاب اليوم ليسوا مؤمنين بالتوحيد الذي جاءت به الرسل ، بل الشرك عندهم ألوان متعددة . وكذلك ليسوا مؤمنين بنبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم  ـ  فنحن معهم في خلاف ، وهم مع دعوة رسل الله في شقاق ، فكتبهم قد بشرت برسالة النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعليهم الإيمان به والدخول فيما جاء به ، ولما لم يكن ذلك الإيمان حاصلاً فلا شأن لهم بالحديث عن الرسل ، والكتب المنـزلة عليهم حتى يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وما جاء به .
تطرق المحاضر بعد ذلك الى ما خُص به أهل الكتاب من أحكام في في حكم الشريعة الإسلامية منها :  حق الاعتقاد : فإن كنا نكفرهم بالشرك، لكن لهم في الإسلام حق الاعتقاد بدون إكراه ، فقد قال تعالى : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} ، كذلك أداء العبادات ، فقد كفلت الشريعة الإسلامية لأصحاب الديانات الأخرى ممارسة شعائرهم الدينية ، وأداء عباداتهم ، أما الحقوق المالية ، فإن منها ما يؤخذ منهم مقابل مصلحة لهم ، ومنها ما يُبذل لهم خدمة وتعاون عند عجزهم ومنها : أخذ الجزية : وهي ضريبة تستوفى من الذميين مقابل حمايتهم وحماية أموالهم والكف عنهم وكذلك علامة لخضوعهم واتباعهم للدولة الإسلامية ، ولو تأملنا أحكام الجزية لتبين لنا أنها ليست بذلك الغرم الشديد .
كذلك العطاء من بيت المال: فجمهور الفقهاء قد ذهبوا إلى أن ليس لغير المسلمين نصيب من أسهم الزكاة ، وأن لهم حقاً في بيت مال المسلمين ، وأن الذميين سواء في الحقوق مع المسلمين في كفالة بيت المال للمعوزين منهم .
وأيضاً حق الوظيفة والعمل ، إلا أن الفقهاء قديماً أكدوا على أن الوظائف التي تتعلق بأمور العقيدة والجهاد وقيادة الأمة ، والمناصب ذات الخطورة التي تتعلق بوضع الخطط العملية ، وتوجيه دوائر الدولة المختلفة لا تسند إلا للمسلمين ؛ لأنها ولايات لا يتولاها إلا من ينتمي إلى مبادئ الإسلام وعقيدته فيخدمها ، وما سوى ذلك من الأعمال والخدمات الإنسانية كالطب والهندسة والصناعة وغيرهما فيجوز الاستفادة منهم بها .
وعلى أهل الذمة أن لا يدعوا المسلمين إلى دينهم المحرَّف ، ولا يتزوجوا المسلمات ، ولا ينشروا المنكرات ، ويعلنوها في أوساط المسلمين ، وأن لا يكونوا عيوناً وجواسيس للكفار ، وأن يدفعوا الجزية كما تقدم .
وتطرق المحاضر بعد ذلك الى الدعوة الى توحيد الأديان ، موضحاً بأن دعوة المسلم إلى توحيد دين الإسلام مع غيره من الشرائع والأديان الدائرة بين التحريف والنسخ هو ردة ظاهرة ، وكفر صريح ؛ لما تعلنه من نقض جرئ للإسلام أصلاً ، وفرعاً ، واعتقاداً ، وعملاً ، وهذا إجماع لا يجوز أن يكون محل خلاف بين أهل الإسلام ، وإنها دخول معركة جديدة مع عباد الصليب ، ومع أشد الناس عداوة للذين آمنوا ' ، وهم اليهود .
ثم تحدث المحاضر حول التقريب بين الأديان ، حيث أوضح بأن التقريب بين الأديان قد يكون مرفوضاً ، وقد يكون مقبولاً ، فالتقريب المرفوض : هو الذي يقصد به إذابة الفوارق الجوهرية بين الأديان المختلفة كالتوحيد في الإسلام والتثليث في النصرانية ،  والتنزيه في العقيدة الإسلامية والتشبيه في العقيدة اليهودية ، ومن الفوارق الأساسية : أن كتاب المسلمين (القرآن) محفوظ من كل تغيير وتبديل من الله تعالى . بخلاف التوراة والإنجيل اللذين قامت الأدلة على وقوع التحريف فيهما بالحذف والزيادة والتغيير ، وقد قاله علماء الغرب أنفسهم من يهود ونصارى .
أما التقريب المقبول : فهو أن يكون في ضوء الحقائق التالية : الحوار بالتي هي أحسن ، والحكمة والموعظة الحسنة .. لإقناعهم بالدخول إلى الإسلام لقوله تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } .
والتركيز على القواسم المشتركة بيننا وبين أهل الكتاب .. وهذا نص ما جاء في الآية الكريمة : {.. وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } . كذلك التعاون لمواجهة الإلحاد والوثنية : فأهل الكتاب لم يكونوا أشد كفراً من أهل الإلحاد والوثنية ، والأحكام التي خص الله بها أهل الكتاب من قبول الجزية ، والزواج من نسائهم ، وأكل ذبائحهم خلاف الوثنيين والملحدين تدل على ذلك ، وأيضاً مناصرة قضايا العدل والشعوب المستضعفة ، وإشاعة روح التسامح لا التعصُّب : فتكفير الله لهم ، وضلالهم .. لا ينافي حرصنا على الرفق بهم والإحسان إليهم .. والتعامل معهم بموجب الأحكام التي خصها الله تعالى بهم في الفقه الإسلامي من ذبائح ، وجوار ، وبيع وشراء .
وفي نهاية محاضرته خلص الشيخ/ د. محمد المهدي الى عدة أمور منها : أن السلفية هي اتباع الكتاب والسنة وفهمهما كما فهمهما السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين ، كذلك وسطية الإسلام في أبواب كثيرة بين طرفي نقيض من أهل الكتاب ، فهم بين اليهود الذين يقتلون الأنبياء والآمرين بالقسط من الناس ، وبين النصارى في عبادتهم لهم وتأليههم ، فتوسطَ المسلمون بينهم ، فهم يحبون الأنبياء ويتبعونهم دون جفاء ولا غلو .
وهم في الدنيا بين اليهود الذين يحبون الدنيا ويتنافسون عليها بجشع وهلع ، ويتمتعون بكل حلال وحرام ، وبين رهبانية النصارى وتحريمهم ما أحل الله لهم ، وأن الحوار بين الحضارات ، أو المجموعات مطلوب للوصول إلى الحق لا لإقرار كلٍّ على باطله ، ويتساوى الظلمات والنور ، والظل والحرور ، والأحياء والأموات .
 
بعد ذلك ألقى الشيخ/ د. محمد الحمود النجدي ( الكويت ) محاضرة بعنوان : ( الوسطية الإيمانية والرد على المخالف ) ، موضحاً فيها بأن هناك العديد من الأحاديث التي تحذر من الغلو ومنها : قوله صلى الله عليه وسلم: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثاً رواه مسلم . والمتنطعون: المتعمقون المغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا الدين يسرٌ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا ، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة » أخرجه البخاري .
قال ابن حجر: والمعنى: لا يتعمق أحدٌ في الأعمال الدينية، ويترك الرفق إلا عجز وانقطع، فيغلب. كما جاء في القرآن التحذير من التفريط والتساهل، قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} ، وقوله تعالى:{أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} . ثم استعرض الشيخ النجدي وجوه الوسطية في شرعنا المطهر ، فمن حيث الوسطية في «الإيمان بالله تعالى» ، فلا شك أن أعظم الانحراف عن الصراط المستقيم ما وقع في التوحيد وأركان الإيمان , وأعظم ذاك ما وقع في الإيمان بالله تعالى وتوحيده في أسمائه وصفاته وأفعاله لأن بقية الأركان تبع له , وقد ضلت فيه طوائف كثيرة بين الإفراط والتفريط .  فنجد اليهود قد وصفوا الله تعالى بصفات النقص التي يتنـزه عنها حتى بعض المخلوقين , وشبهوا الخالق بالمخلوق , أما النصارى فقد شبهوا المخلوق بالخالق ! فوصفوا رسول الله وعبده عيسى عليه السلام بصفات الخالق! وأعطوه خصائص الرب التي لا تليق إلا به ، وقد بين القرآن الكريم للأمة الوسط ضلال الطائفتين : الغالية والجافية, المُفرِطة والمُفرِّطة , لتسلك السبيل الأقوم فتسعد في الدارين .
أما في باب الوسطية في « أسماء الله تعالى وصفاته » ، فإن أهل السنة والجماعة وسط في أسماء الله تعالى وصفاته ، فالجهمية ينكرون صفات الله عز وجل , والمعتزلة ينكرون صفات الله ويثبتون الأسماء! والأشعرية يثبتون الأسماء وسبعاً من الصفات وبعضهم ثلاثة عشرة ، وأما أهل التمثيل والتشبيه, فيثبتون صفات الله تعالى, ويقولون: يجب إثباتها له تعالى لكن يقولون: إنها مثل صفات المخلوقين!! فالسمع والبصر كالسمع والبصر في المخلوق! وهؤلاء غلوا في الإثبات وضلوا .
أما الأمة الوسط فهم الذين قالوا: نثبت لله تعالى الأسماء الحسنى, والصفات العلا التي جاءت في القرآن والسنة , ولا نرد شيئا منها, وفي الوقت نفسه لا نشبه شيئا منها بصفات المخلوقين .
بعد ذلك تطرق الشيخ النجدي الى وسطية أهل السنة في أفعال العباد ، فقال : لقد ضل في باب أفعال العباد طائفتان : الجبرية :وهم الجهمية القائلون: إن العباد لا إرادة لهم ، ولا قدرة لهم على فعل الطاعات, ولا ترك المنهيات, وهم مجبورون على فعل ذلك كله ، وهذا غلو وتطرف ، وقابلهم على الطرف الآخر: القدرية ، وهم جمهور المعتزلة القائلون : إن الله تبارك وتعالى قد أمر العباد بطاعته , ونهاهم عن معصيته , ولا يعلم من يطيعه ممن يعصيه، إلا بعد حصول الطاعة والمعصية!! وهم نقيض الجبرية.
وقال أهل الحق : أفعال العباد بها صاروا مطيعين وعصاة , وهي مخلوقة لله تعالى, والحق سبحانه منفرد بخلق المخلوقات لا خالق لها سواه ، وهدى الله المؤمنين أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه , والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم , فقالوا: العباد فاعلون والله خلقهم وخلق أفعالهم كما تقدم , وأن كل شيء بقضاء الله وقدره كما قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}.
ومن حيث وسطية أهل السنة والجماعة في باب الوعيد ، فإن أهل السنة والجماعة وسط في ذلك بين المفرطين من المرجئة الذين قالوا : لا يضر مع الإيمان ذنب, كما لا تنفع مع الكفر طاعة, أو زعموا أن الإيمان مجرد التصديق بالقلب والنطق باللسان , والأعمال ليست من الإيمان ، وبين الوعيدية : وهم الخوارج والمعتزلة , وقد اتفقا على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار, لا يخرج منها أبدا إذا مات عليها ولم يتب منها ، ومذهبهم باطل مخالف للكتاب والسنة, قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} . أما مذهب أهل السنة والجماعة إذا وسط بين هذين المذهبين , فمرتكب الكبيرة عندهم مؤمن ناقص الإيمان , قد نقص من إيمانه بقدر ما ارتكب معصية , فلا ينفون عنه الإيمان أصلاً ، كالخوارج والمعتزلة, ولا يقولون بأنه كامل الإيمان ، كالمرجئة والجهمية ، وحكمه في الآخرة عندهم : أنه قد يعفو الله عز وجل عنه فيدخل الجنة ابتداء , أو يعذبه بقدر معصيته ، ثم يخرجه ويدخله الجنة , وهذا الحكم أيضا وسط بين من يقول بخلوده في النار, وبين من يقول: انه لا يستحق على المعصية عقاباً ،وبهذا كانوا وسطا كما وصفهم الله تعالى بقوله { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكون شهداء على الناس } .
بعد ذلك تطرق الشيخ/ د. محمد الحمود النجدي الى الحوار بين الأديان والمذاهب  ، حيث أوضح بأن الحوار بين الأديان والمذاهب متنوع بحسب أهدافه وأغراضه، وبحسب أهله وأحوالهم، فمنه ما هو حق وخير، ووسيلة فعالة من وسائل إصلاح الفرد والجماعة والأمم ، وذلك إذا كان دعوة وبياناً للدين ، وبحثا عن الحق ، وسبيلاً إلى التعايش والتفاهم في الأرض، والتعاون على البر والخير ، ومنه ما هو باطل، وإضاعة للأوقات، ولحقوق العباد والبلاد،  إذا كان نقضاً للدين الحق، وتمييعا لشرائعه، وطمسا لمعالمه ،  وإماتة لعقيدة الولاء والبراء ، وإذا فقدت الضوابط والمقاييس الصحيحة منه.
ولذلك فإن حوار الأديان لا يرد مطلقاً، لأننا بذلك قد نرد الحق الذي فيه، ولا نقبله مطلقا لأننا بذلك نقبل الباطل الذي فيه ، وكذا الحوار بين أهل السنة والجماعة والمذاهب البدعية وأهل الأهواء .
وبين الشيخ المحضر في نهاية محاضرته أسس الحوار الصحيحة ، وهي : الاتفاق على منطلقات ثابتة، وقضايا مسلَّمة  ومتفق عليها بين الطرفين، وهذه المسلَّمات والثوابت قد يكون مرجعها العقل السليم، ولا تقبل النقاش عند العقلاء المتجردين ، كحُسن الصدق ، وقُبح الكذب ، وحسن الأمانة ، وقبح الخيانة ، وشُكر المحسن، ومعاقبة المذنب .
 أو تكون مسلَّمات دينية، لا يختلف عليها المعتنقون للديانات عموما، كالإقرار بالخالق الرازق المدبر، وكالإقرار بالرسل والملائكة واليوم الآخر ونحوها من المعتقدات الثابتة المتفق عليها.
 وبالوقوف عند الثوابت والمسلَّمات، والانطلاق منها، يمكن إيجاد قواسم مشتركة للحوار والتفاهم، ويتحدد بها مُريد الحق، ممن لا يريد إلا المراء والجدال.
كذلك سلوك الطرق العلمية والتمسك بها عند الحوار، ومن أهمها : تقديم الأدلة المُثبِتة للقول، أو المرجِّحة للدعوى ، و التأكد من سلامة كلامِ المناظر ودليله من التناقض، فالمتناقض ساقط بداهة. ، وإثبات صحة المنقول من الحجج والأقوال، وفقا للقاعدة المعروفة : إن كنت ناقلا فالصحة ، وإن كنت مدَّعيا فالدليل ، وأن لا يكون الدليل هو عين الدعوى، لأنه إذا كان كذلك لم يكن دليلا، ولكنه إعادة للدعوى بألفاظ وصيغ أخرى.
أما الآداب التي يجب أن يسير عليها الحوار فتتمثل في : العدل والإنصاف، وهما من أهم الضوابط والآداب في الحوار، فيجب على المحاور أن يكون منصفاً فلا يرد حقا أبداً ، بل عليه أن يقبل بالأدلة الصحيحة التي يوردها محاوره ، ويبدي إعجابه بالأفكار الصحيحة ، وهذا الإنصاف له أثره العظيم لقبول الحق، واستمرار الحوار .
ومن الأخلاق العظيمة : التمسك بخلق الصدق، والأمانة في النقل، والإخلاص والتجرد في طلب الحق من كل غرض دنيوي، ومصلحة عاجلة.
وكذا البعد عن التهكم والسخرية والاستهزاء بالمخالف، والإثارة والاستفزاز ، ومن الآداب: حسن الاستماع للآخر، وتدبُّر قوله الذي لا يتحقق إلا بحسن الاستماع له حتى آخره .
 كذلك من الأخلاق الهامة: الحلم والصبر أثناء الحوار، فالمحاور يجب أن يكون حليما صبورا، فلا يغضب لأتفه الأسباب ، فإن ذلك يؤدي إلى النفرة منه والابتعاد عنه ، والغضب لا يوصل إلى إقناع الخصم وهدايته ، وإنما يكون ذلك بالحلم والعلم ، والحلم من صفات المرسلين والمؤمنين .
ومن أعلى مراتب الصبر والحلم : مقابلة الإساءة بالإحسان، فإن ذلك له أثره العظيم على المحاور، وكثير من الذين اهتدوا للحق والدين الصحيح ، لم يهتدوا لعلم المحاور واتقانه لأساليب الجدل، وإنما لأدبه وحسن خلقه، واحتماله للأذى ومقابلته بالإحسان . ومن الأخلاق المطلوبة : البعد عن التسرع في إصدار الأحكام ، إذ إن التسرع في إصدار الأحكام دون روية وتثبت ، مع عدم وضوح الرؤية ، يوقع في أخطاء وظلم للمخالف .
فالحوار مبدأ شرعي في دين الإسلام، وكتاب الله تعالى مليء بعشرات المحاورات التي يمكن الاستفادة منها في الباب المهم ، وقد كتبت عدة كتب فيه ، يمكن الاستزادة منها .
بعد ذلك تم قراء التوصيات التي خرج بها العلماء والمشايخ المشاركون في هذا المؤتمر ، وهي :
1.     العمل المشترك على نشر المعنى الصحيح لمفهوم الوسطية والتمسك بالكتاب العظيم والسنة المطهرة الصحيحة واتباع خير البشرية r والاقتداء بالصحابة – رضي الله عنهم – ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، ونبذ الابتداع في الدين.
2.     بيان منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة الراسخة ، والاعتدال في العبادة والتوسط في الأخلاق السوية ، ولزوم جماعة المسلمين التي هي صمام أمان في الماضي والحاضر والمستقبل .
3.           الأخذ من العلماء الراسخين الذين هم ورثة الأنبياء واحترامهم وتوقيرهم والرجوع إليهم .
4.     السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين بالمعروف ، والدعاء لهم والصبر عليهم والنصيحة لهم ، وعدم الخروج أو الجرأة أو التحريض عليهم .
5.     الدعوة إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، والتبشير وعدم التنفير وإظهار محاسن الإسلام وسماحته ، والولاء للمسلمين ومحبتهم ونصرتهم والذود عنهم .
6.     التحذير من المفاهيم المغلوطة والمنسوبة زورا وبهتانا للإسلام ، وضرورة تجليتها وبيان براءة الإسلام منها ، وضرورة الابتعاد عن المناهج المنحرفة والمبتدعة والتحذير منها وتفنيد شبهاتها وأفكارها .
7.     بيان أن منهج الحوار لكشف الشبهات ودحض الباطل والرد على المخالف لا يناقض الوسطية ، بل هو من الإسلام ، والحوار بين الأديان والحضارات مطلوب للوصول إلى الحق وإلى تحقيق المقاصد الشرعية السامية .
8.     العمل بالوصايا العشر التي اتفقت عليها الديانات الإلهية السابقة ' قبل التحريف ' مع الإسلام ، وتحقيق الهدف من أصل الخلق ، لا لإقرار الباطل ، ولا لتمييع الدين الحنيف ، بل للصدع بالحق .
9.           العمل على حفظ الضروريات الخمس : الدين والعرض والنفس والعقل والمال .
10.      بيان حفظ الإسلام لحقوق الغير ؛ فلابد من إعطاء كل ذي حق حقه.
11.   التعاون مع الهيئات والجمعيات الرسمية والأهلية والعالمية من أجل نبذ الإرهاب والتحذير من الغلو والتطرف وفتن التفجيرات والاغتيالات ، والعمل على حفظ حقوق المستضعفين المسلمين في ديار الغرب وحقن دمائهم وتمكينهم من ممارسة الشعائر الإسلامية بحرية ووسطية .
12.   التحذير من الفهم الخاطئ للجهاد ، علما بأنه قائم إلى قيام الساعة ضمن الضوابط الشرعية وبموافقة ولي الأمر من الأمراء والعلماء .
13.   فتح أجهزة الإعلام ووسائلها المختلفة ومدارس التربية والجامعات والمعاهد لنشر الوسطية السمحة وتبشير الناس بها ، وتربية الأجيال على الاعتدال في القول والعمل وترسيخ مفهوم الاعتقاد والإيمان .
14.   بيان واجبات المرأة في الإسلام ، والعمل الحثيث لإعطائها كافة حقوقها وفق الكتاب والسنة ، والسعي إلى صيانتها وحفظ كرامتها ، وتجلية الشبهات التي أحاطت بها .
15.   العمل على حماية المسجد الأقصى بكافة الوسائل المتاحة المشروعة ، والتعاون مع ولاة الأمور والعلماء في رفع الظلم عن المظلومين في فلسطين المحتلة وغيرها من ديار المسلمين .

الآن:فالح الشامري

تعليقات

اكتب تعليقك