حفاظا على كرامته وحرصا على المصلحة العامة

زاوية الكتاب

عبدالله النيباري ينصح وزير الداخلية بتقديم استقالته فورا

كتب 2744 مشاهدات 0


 في وقت تكاثر اللغط حول طبيعة استجواب وزير الداخلية، ونعته بأنه استجواب 'قبلي'، يكتب واحد ممن سجلوا بصمات تاريخية في سجل الدفاع عن المال العام، وغير محسوب على التيار القبلي السياسي بأي شكل من الأشكال، يكتب عن استحقاق الاستجواب وضرورة استقالة وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد. فعبدالله النيباري بمقالته هذه يبين نقاطا هامة في الاستجواب، ويرى أنها مستحقة وتستوجب استقالة الوزير.

رأت أن المقال يستحق أن يكون 'مقال اليوم'، التعليق لكم:

 
 
أنصح وزير الداخلية بتقديم استقالته عاجلاً 

 

مع كل الاحترام والتقدير للسيد وزير الداخلية، وهو شخص مهذب وودود، فأني أنصح وبشدة السيد وزير الداخلية بالتعجيل في تقديم استقالته حفاظاً على كرامته، ونأياً بشخصه عن التعرض للبهدلة، وتمسكاً بالأصول والقواعد الديموقراطية، بل والتقاليد.
فالسيد الوزير وضع نفسه، ووضع رئيس الوزراء والوزراء السابقين والحاليين كافة، في حرج بالغ ستبقى بصماته نقطة سوداء في ثوب حكومة الشيخ ناصر المحمد. هذا الحرج يوجب الاستقالة، فهي مستحقة باستجواب أو من دونه، بلجنة تحقيق أو من دونها، بل حتى من دون جلسة مناقشة.
فنحن في مواجهة مخالفة ليست جسيمة، ولكنها بشعة، فالتجاوز في قيمة العقد الذي وقعه الوزير ووافق على صرفه، وصرف مبلغ قيمته عشرة أضعاف القيمة الحقيقية أو أكثر. الوزير وقع عقدا بقلمه وتوقيعه مع شركة مايكرو لنصب 531 لوحة إرشادية بأسماء المرشحين لانتخابات عام 2008، بمبلغ 5 ملايين و326 ألفا، وأمر، بعد إلحاح من الشركة بصرف مبلغ 5 ملايين و368 ألف دينار. بموجب هذا العقد تتراوح التكلفة بين 8000 و14000 دينار للوحة بقياس 8x3م، وبمتوسط 10 آلاف دينار لكل لوحة، وهي عبارة عن قماش في إطار حديدي مطبوع عليه صور، وهو ما يعني ان سعر المتر المربع 416 دينارا، وهو سعر بناء المتر لفيلا بتشطيب فاخر.
وتتفق التقديرات في أن سعر اللوحة لا يتعدى 300 دينار، وفي أقصى الأحوال 600 دينار، أي ان التكلفة الإجمالية لا تتجاوز 200-300 ألف دينار.
وتأكدت هذه التقديرات في المناقصة التي طرحتها وزارة الداخلية ْ للعمل نفسه في انتخابات 2009 لنصب 300 لوحة لانتخابات مجلسي الأمة والبلدي اي بسعر الافرادي للوحة 330 دينارا.
اي تأكيد رسمي بأن القيمة الحقيقية والفعلية للوحات التي دفع فيها 5 ملايين و368 الفا لا تتجاوز 175 الف دينار. وحتى لو ضاعفنا السعر فلن يتجاوز المبلغ الاجمالي 350 الف دينار. وبموجب هذه الحسبة يكون الفرق بين المبلغ المدفوع والكلفة الحقيقية هو 5 ملايين دينار وان نسبة التجاوز تعادل 94 في المائة ونسبة الكلفة الحقيقية لاجمالي قيمة الصفقة هي 6%.
وقد يقال ان الوزير اعتمد على رأي وتقدير المسؤولين في الوزارة ووقع العقد ثقة بهم من دون ان يسأل او يتقصى.
ولكن الامر لم يتوقف عند ذلك فقد جرى تنبيه الوزير ومطالبته باتخاذ اجراءات في وقت مبكر، جاء ذلك باعتراض ديوان المحاسبة في كتابه بتاريخ 2008/7/30 اي قبل حوالي سنة، واعتبر الديوان ان اجراءات ترسية العقد كانت مخالفة للقوانين والقواعد، وان قيمة العقد مبالغ فيها بصورة كبيرة، وطالب بتشكيل لجنة تحقيق لتقصي الحقائق، وتبادل الديوان مع الوزارة مراسلات رفض فيها مبررات الوزارة.
كذلك تقدم النائب الدقباسي بسؤال حول الموضوع بتاريخ 2008/7/7 والنائب احمد السعدون بسؤال بتاريخ 2008/8/7 وتضمن سؤال السعدون معظم الملاحظات التي وردت في الاستجواب، ولم يرد الوزير على اسئلة النواب، ولم يتخذ اي اجراء طيلة قرابة السنة، ولم يعلن عن احالة الموضوع الى النيابة الا بعد تقديم الاستجواب. ومجرد الاحالة الى النيابة قد تفسر في غير مصلحة الوزير بأن دافعها حجب نظر الموضوع في مجلس الامة ما دام مطروحا امام القضاء، وهي ذريعة ضعيفة لان المساءلة الجنائية لا تحجب المساءلة السياسية لان دور مجلس الامة ليس متابعة الجناة ومعاقبتهم بل مساءلة الوزير على اضرار بالمال العام نتيجة قرارات اتخذها ما كان يجب ان يتخذها او العكس، خاصة ان معظم الاحالات الى النيابة تنتهي بالحفظ لضعف بلاغ الاحالة.
وأرى أن الوزير كان يجب ان يستقيل أو يقال عندما انكشفت بشاعة المخالفة على الاخص بعد ملاحظات ديوان المحاسبة وبعد تقديم الاسئلة من النواب.
وهذا ما حدث ويحدث في البلاد الديموقراطية التي للقانون فيها حرمة. ففضيحة تجاوز مصروفات النواب في بريطانيا وهي مخالفات مالية صغيرة الحجم والقيمة مقارنة بالمخالفات في بلدنا، أدت إلى استقالة أو اقالة رئيس مجلس العموم، وهو امر يحدث لأول مرة منذ ثلاثمائة سنة، وادت الى استقالة عدد من وزراء حكومة السيد براون، وتكاد تعصف بحكومته وتهدد حزب العمال الذي يتمتع بأغلبية ساحقة حاليا بخسارة الانتخابات القادمة. وفي اميركا تراجع اوباما عن ترشيح العضو الجمهوري لوزارة الصحة في وقت هو بأمس الحاجة إليه لتنفيذ برنامج تحسين الرعاية الصحية، وقبل بضعة أعوام استقال ديفيد بلونكت وزير الداخلية وهو احد زعماء حزب العمال، فقط لأنه سأل عن طريق مكتبه إدارة الاقامة عن اجراءات اصدار اقامة مربية لصديقه.
هكذا هي الأصول في العمل السياسي فالوزراء هم اعضاء هيئة تهيمن على شؤون ومصالح الدولة والمجتمع.
وقد يقال ان هنالك نوايا مبيتة وراء الاستجواب ووراء مقدمي ومؤيدي طرح الثقة، خاصة ان بعضهم وربما أكثرهم لا يحرك التعدي على المال العام شعرة من جسده، بل ان بعضهم شركاء في التعديات وقد يكون ذلك صحيحا، ونحن نعرف ان من بين المؤيدين لطرح الثقة، من سبق لهم ان لاذوا بالصمت في قضايا اكبر من هذه، بل ان عددا من المحسوبين على تيار التأسلم السياسي، تمثيلا وتنظيمات وأفرادا، قد صمتوا بل تواطأوا لتمرير مخالفات افدح جسامة قيمتها بمئات الملايين مثل ارض الوسيلة ومدينة الخيران والسليل وغرب القرين وارض البطاريات.. وغيرها.. وغيرها.
ولكن نحن امام حالة تعدٍ على المال العام لدرجة السرقة البشعة، وامام مخالفة صارخة للقانون وعدم اتخاذ الوزير الاجراءات الصحيحة في التوقيت المناسب، علاوة على ان تمسك الوزير بالبقاء سيفتح المجال لمساومات وتقديم ارضاءات لكسب اصوات نواب على حساب المصلحة العامة، وبالتأكيد ستتضمن مخالفات اكثر جسامة من الحالة التي نحن بصددها، وحتى في حالة عدم نجاح طرح الثقة سيبقى الوزير في موقف اضعف من السابق، وسيبقى مستهدفا من معارضيه، وسيتعرض لضغوط لتسديد ديون من وقف معه، وهذا يعني تعميق الاختلالات التي يعانيها البلد، وزيادة المخالفات والتعديات، ولذا فاني انصح الوزير بشدة، حفاظا على كرامته وحرصا على المصلحة العامة، بالمبادرة الى تقديم الاستقالة.


بقلم: عبدالله النيباري
 

القبس-مقال اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك